علي كرم الله تعالى وجهه عليه - لكان أعظم الناس خطأ، وأيضا ربما يستدل على أن المراد بالولاية المحبة بأنه لم يقع التقييد بلفظ بعدي، والظاهر حينئذ اجتماع الولايتين في زمان واحد، ولا يتصور الاجتماع على تقدير أن يكون المراد أولوية التصرف بخلاف ما إذا كان المراد المحبة.
وتمسك الشيعة في إثبات أن المراد بالمولى الأولى بالتصرف باللفظ الواقع في صدر الخبر على إحدى الروايات، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ونحن نقول: المراد من هذا أيضا الأولى بالمحبة يعني ألست أولى: بالمؤمنين من أنفسهم بالمحبة، بل قد يقال: الأولى ههنا مشتق من الولاية بمعنى المحبة، والمعنى ألست أحب إلى المؤمنين من أنفسهم؟ ليحصل تلاؤم أجزاء الكلام ويحسن الانتظام، ويكون حاصل المعنى هكذا: يا معشر المؤمنين إنكم تحبوني أكثر من أنفسكم، فمن يحبني يحب عليا اللهم أحب من أحبه وعاد من عاداه، ويرشد إلى أنه ليس المراد بالأولى - في تلك الجملة - الأولى بالتصرف أنها مأخوذة من قوله تعالى: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * (الأحزاب: 6) وهو مسوق لنفي نسب الأدعياء ممن يتبنونهم، وبيانه أن زيد بن حارثة لا ينبغي أن يقال: إنه ابن محمد صلى الله عليه وسلم لأن نسبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى جميع المؤمنين كالأب الشفيق بل أزيد، وأزواجه عليه والسلام أمهاتهم، والأقرباء في النسب أحق وأولى من غيرهم، وإن كانت الشفقة والتعظيم للأجانب أزيد لكن مدار النسب على القرابة وهي مفقودة في الأدعياء لا على الشفقة والتعظيم، وهذا ما في كتاب الله تعالى أي في حكمه، ولا دخل لمعنى الأولى بالتصرف في المقصود أصلا، فالمراد فيما نحن فيه هو المعنى الذي أريد في المأخوذ منه، ولو فرضنا كون الأولى في صدر الخبر بمعنى الأولى بالتصرف فيحتمل أن يكون ذلك لتنبيه المخاطبين بذلك الخطاب ليتوجهوا إلى سماع كلامه صلى الله عليه وسلم كمال التوجه ويلتفتوا إليه غاية الإلتفات، فيقرر ما فيه من الإرشاد أتم تقرر، وذلك كما يقول الرجل لأبنائه في مقام الوعظ والنصيحة: ألست أباكم؟ وإذا اعترفوا بذلك يأمرهم بما قصده منهم ليقبلوا بحكم الأبوة والنبوة ويعملوا على طبقهما، فقوله عليه الصلاة والسلام في هذا المقام: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " مثل " ألست رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالى إليكم؟ " " أو ألست نبيكم "، ولا يمكن إجراء مثل ذلك فيما بعده تحصيلا للمناسبة، ومن الشيعة من أورد دليلا على نفي معنى المحبة، وهو أن محبة الأمير كرم الله تعالى وجهه أمر ثابت في ضمن آية * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * (التوبة: 71) فلو أفاد هذا الحديث ذلك المعنى أيضا كان لغوا ولا يخفى فساده، ومنشؤه أن المستدل لم يفهم أن إيجاب محبة أحد في ضمن العموم شيء، وإيجاب محبته بالخصوص شيء آخر، والفرق بينهما مثل الشمس ظاهر، ومما يزيد ذلك ظهورا أنه لو آمن شخص بجميع أنبياء الله تعالى، ورسله عليهم الصلاة والسلام، ولم يتعرض لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بخصوصه بالذكر لم يكن إيمانه معتبرا، وأيضا لو فرضنا اتحاد مضمون الآية والخبر لا يلزم اللغو، بل غاية ما يلزم التقرير والتأكيد، وذلك وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يؤكد مضامين القرآن ويقررها، بل القرآن نفسه قد تكررت فيه المضامين لذلك، ولم يقل أحد إن ذلك من اللغو - والعياذ بالله تعالى - وأيضا التنصيص على إمامة الأمير كرم الله تعالى وجهه تكرر مرارا عند الشيعة، فيلزم على تقدير صحة ذلك القول اللغوي، ويجل كلام الشارع عنه، ثم إن ما أشار إليه الحميري في قصيدته التي أسرف فيها من أن الصحابة