تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٢١١
- والأهواء - جمع هوى وهو الباطل الموافق للنفس، والمراد لا توافقوهم في مذاهبهم الباطلة التي لم يدع إليها سوى الشهوة ولم تقم عليها حجة * (وأضلوا كثيرا) * أي أناسا كثيرا ممن تابعهم ووافقهم فيما دعوا إليه من البدعة والضلالة، أو إضلالا كثيرا، والمفعول به حينئذ محذوف * (وضلوا) * عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ووضوح محجة الحق وتبين مناهج الإسلام * (عن سواء السبيل) * أي قصد السبيل الذي هو الإسلام، وذلك حين حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكذبوه وبغوا عليه، فلا تكرار بين * (ضلوا) * هنا و * (ضلوا من قبل) *، والظاهر أن * (عن) * متعلقة بالأخير، وجوز أن تكون متعلقة بالأفعال الثلاثة، ويراد - بسواء السبيل - الطريق الحق، وهو بالنظر إلى الأخير دين الإسلام، وقيل: في الإخراج عن التكرار أن الأول: إشارة إلى ضلالهم عن مقتضى العقل، والثاني: إلى ضلالهم عما جاء به الشرع، وقيل: إن ضمير * (ضلوا) * الأخير عائد على - الكثير - لا على * (قوم) * والفعل مطاوع للإضلال، أي - إن أولئك القوم أضلوا كثيرا من الناس، وأن أولئك الكثير قد ضلوا بإضلال أولئك هم - فلا تكرار، وقيل: أيضا قد يراد - بالضلال - الأول الضلال بالغلو في الرفع والوضع مثلا وكذا بالإضلال، ويراد - بالضلال عن سواء السبيل - الضلال عن واضحات دينهم وخروجهم عنه بالكلية، وقال الزجاج: المراد بالضلال الأخير ضلالهم في الإضلال أي - إن هؤلاء ضلوا في أنفسهم وضلوا بإضلالهم لغيرهم - كقوله تعالى: * (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) * (النحل: 25)، ونقل هذا - كالقيل الأول - عن الراغب، وجوز أيضا أن يكون قوله سبحانه وتعالى: * (عن سواء) * متعلقا ب * (قد ضلوا من قبل) * إلا أنه لما فصل بينه وبين ما يتعلق به أعيد ذكره، كقوله تعالى: * (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) * (آل عمران: 188) ولعل ذم القوم على ما ذهب إليه الجمهور أشنع من ذمهم على ما ذهب إليه غيرهم، والله تعالى أعلم بمراده..
* (لعن الذين كفروا من بنىإسراءيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذالك بما عصوا وكانوا يعتدون) *.
* (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل) * أي لعنهم الله تعالى، وبناء الفعل لما لم يسم فاعله للجري على سنن الكبرياء، والجار متعلق بمحذوف وقع حالا من الموصول أو من فاعل * (كفروا) * وقوله سبحانه وتعالى، * (على لسان داود وعيسى ابن مريم) * متعلق - بلعن - أي لعنهم جل وعلا في الإنجيل والزبور على لسان هذين النبيين عليهما السلام بأن أنزل سبحانه وتعالى فيهما - ملعون من يكفر من بني إسرائيل بالله تعالى أو أحد من رسله عليهم السلام، وعن الزجاج إن المراد: أن داود وعيسى عليهما الصلاة والسلام أعلما بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبشرا به وأمرا باتباعه، ولعنا من كفر به من بني إسرائيل، والأول أولى، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت قال داود عليه الصلاة والسلام: اللهم ألبسهم اللعن مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين، فمسخهم الله تعالى قردة، وأصحاب المائدة لما كفروا قال عيسى عليه الصلاة والسلام: اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت، فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبي وروي هذا القول عن الحسن ومجاهد وقتادة، وروي مثله عن الباقر رضي الله تعالى عنه، واختاره غير واحد، والمراد باللسان الجارحة، وإفراده أحد الاستعمالات الثلاث المشهورة في مثل ذلك،
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 » »»