ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة وتشهد أنها من الله تعالى حق؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق وكتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه للناس فبرئت من إحداثكم. قالوا: فإنا نأخذ بما في أيدينا فإنا على الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا نتبعك " فأنزل الله تعالى فيهم * (قل يا أهل الكتاب) *.
* (لستم على شيء) * أي دين يعتد به ويليق بأن يسمى شيئا لظهور بطلانه ووضوح فساده، وفي هذا التعبير ما لا يخفى من التحقير، ومن أمثالهم أقل من لا شيء * (حتى تقيموا التوراة والإنجيل) * أي تراعوهما وتحافظوا على ما فيهما، من الأمور التي من جملتها دلائل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وشواهد نبوته، فإن إقامتهما وتوفية حقوقهما إنما تكون بذلك لا بالعمل بجميع ما فيهما منسوخا كان أو غيره، فإن مراعاة المنسوخ تعطيل لهما ورد لشهادتهما * (وما أنزل إليكم من ربكم) * أي القرآن المجيد، وإقامته بالإيمان به، وقدمت إقامة الكتابين على إقامته - مع أنها المقصودة بالذات - رعاية لحق الشهادة واستنزالا لهم عن رتبة الشقاق. وقيل: المراد بالموصول كتب أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام، وقيل: الكتب الإلهية، فإنها كلها ناطقة بوجوب الإيمان بمن ادعى النبوة وأظهر المعجزة ووجوب طاعة من بعث إليهم له، وقد مر تمام الكلام على مثل هذا النظم الكريم وكذا على قوله تعالى: * (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) * والجملة مستأنفة - كما قال شيخ الإسلام - مبينة لشدة شكيمتهم وغلوهم في المكابرة والعناد وعدم إفادة التبليغ نفعا، وتصديرها بالقسم لتأكيد مضمونها وتحقيقه، ونسبة الإنزال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - مع نسبته فيما مر إليهم - للإنباء عن انسلاخهم عن تلك النسبة، وإذا أريد بالموصول النعم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم فأمر النسبة ظاهر جدا.
* (فلا تأس على القوم الكافرين) * أي لا تأسف ولا تحزن عليهم لزيادة طغيانهم وكفرهم، فإن غائلة ذلك موصولة بهم وتبعته عائدة إليهم، وفي المؤمنين غنى لك عنهم، ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالرسوخ في الكفر، وقيل: المراد لا تحزن على هلاكهم وعذابهم، ووضع الظاهر موضع الضمير للتنبيه على العلة الموجبة لعدم الأسى، ولا يخلو عن بعد..
* (إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من ءامن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *.
* (إن الذين ءامنوا) * كلام مستأنف مسوق للترغيب في الإيمان والعمل الصالح. وقد تقدم في آية البقرة (62) الاختلاف في المراد - من الذين آمنوا - والمروي عن الثوري أنهم الذين آمنوا بألسنتهم - وهم المنافقون - وهو الذي اختاره الزجاج، واختار القاضي أن المراد بهم المتدينون بدين محمد صلى الله عليه وسلم مخلصين كانوا أو منافقين، وقيل: غير ذلك * (والذين هادوا) * أي دخلوا في اليهودية * (والصائبون) *، " وهم كما قال حسن جلبي وغيره: قوم خرجوا عن دين اليهود والنصارى وعبدوا الملائكة، وقد تقدم الكلام على ذلك، " وفي حسن المحاضرة في أخبار مصر القاهرة " للجلال السيوطي ما لفظه: ذكر أئمة التاريخ أن آدم عليه الصلاة والسلام أوصى لابنه شيث - وكان فيه وفي بنيه النبوة والدين - وأنزل عليه تسع وعشرون صحيفة وأنه جاء إلى أرض مصر، وكانت تدعى باب لون فنزلها هو وأولاد أخيه، فسكن شيث فوق الجبل، وسكن أولاد قابيل أسفل الوادي، واستخلف شيث ابنه أنوش واستخلف أنوش ابنه قينان. واستخلف قينان ابنه مهليائيل،