تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٢٠١
واستخلف مهليائيل ابنه يرد، ودفع الوصية إليه وعلمه جميع العلوم وأخبره بما يحدث في العالم، ونظر في النجوم وفي الكتاب الذي أنزل على آدم عليه الصلاة والسلام، وولد ليرد أخنوخ - وهو إدريس عليه الصلاة والسلام - ويقال له: هرمس، وكان الملك في ذلك الوقت محويل بن أخنوخ بن قابيل، وتنبأ إدريس عليه الصلاة والسلام وهو ابن أربعين سنة، وأراد به الملك سوءا فعصمه الله تعالى وأنزل عليه ثلاثين صحيفة، ودفع إليه أبوه وصية جده والعلوم التي عنده وكان قد ولد بمصر وخرج منها، وطاف الأرض كلها (ورجع فدعا الخلق إلى الله تعالى فأجابوه حتى عمت ملته الأرض)، وكانت ملته الصابئة، وهي توحيد الله تعالى والطهارة (والصلاة) والصوم وغير ذلك من رسوم التعبدات، وكان في رحلته إلى المشرق قد أطاعه جميع ملوكها، وابتنى مائة وأربعين مدينة أصغرها الرها، ثم عاد إلى مصر وأطاعه ملكها وآمن به " - إلى آخر ما قاله - ونقله عن التيفاشي، ويفهم منه قول في الصابئة غير الأقوال المتقدمة. وفي " شذرات الذهب " لعبد الحي بن أحمد بن العماد الحنبلي في ترجمة أبي إسحق الصابىء ما نصه: " والصابىء بهمز آخره، قيل: نسبة إلى صابىء بن متوشلخ بن إدريس عليه الصلاة والسلام، وكان على الحنيفية الأولى، وقيل: الصابىء بن ماوى، وكان في عصره الخليل عليه الصلاة والسلام، وقيل: الصابىء عند العرب من خرج عن دين قومه " انتهى.
* (والنص‍ارى) * جمع نصران، وقد مر تفصيله، ورفع * (الصابئون) * على الابتداء وخبره محذوف لدلالة خبر - إن - عليه، والنية فيه التأخير عما في خبر * (إن) *، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كيت وكيت والصابئون كذلك بناءا على أن المحذوف في إن زيدا، وعمرو قائم خبر الثاني لا الأول كما هو مذهب بعض النحاة واستدل عليه بقول صابىء بن الحرث البرجمي: فمن يك أمسى بالمدينة رحله * فإني، وقيار بها (لغريب) فإن قوله: " لغريب " خبر إن، ولذا دخلت عليه اللام لأنها تدخل على خبر (إن) لا على خبر المبتدأ إلا شذوذا، وقيل: إن " غريب " فيه خبر عن الإسمين جميعا لأن فعيلا يستوي فيه الواحد وغيره نحو * (والملائكة بعد ذلك ظهير) * (التحريم: 4)، ورده الخلخالي بأنه لم يرد للإثنين، وإن ورد للجمع، وأجاب عنه ابن هشام بأنهم قالوا في قوله تعالى: * (عن اليمين وعن الشمال قعيد) * (ق: 17): إن المراد قعيدان، وهذا يدل على إطلاقه على الإثنين أيضا، فالصواب منع هذا الوجه بأنه يلزم عليه توارد عاملين على معمول واحد، ومثله لا يصح على الأصح خلافا للكوفيين، وبقول بشر بن أبي حازم: إذا جزت نواصي آل بدر * فأدوها وأسرى في الوثاق وإلا فاعلموا أنا وأنتم * بغاة ما بقينا في شقاق فإن قوله: " بغاة ما بقينا " خبر إن ولو كان خبر - أنتم - لقال: ما بقيتم، و - بغاة - جمع باغ بمعنى طالب، وقيل: إنه جمع باغي من البغي والتعدي - وأنتم بغاة - جملة معترضة لأنه لا يقول في قومه إنهم بغاة و - ما بقينا في شقاق - خبر إن، وحينئذ لا يصلح البيت شاهدا لما ذكر لأن ضمير المتكلم مع الغير في محله، وإنما وسطت الجملة هنا بين إن وخبرها مع اعتبار نية التأخير ليسلم الكلام عن الفصل بين الاسم والخبر، وليعلم أن الخبر ماذا دلالة - كما قيل - على أن الصابئين - مع ظهور ضلالهم وزيغهم عن الأديان كلها حيث قبلت توبتهم - إن صح منهم
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»