تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٩٥
وهو يوم غدير خم، ومن صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب الله تعالى له صيام ستين شهرا، وهو حديث منكر جدا، ونص في " البداية والنهاية " على أنه موضوع " وقد اعتنى بحديث الغدير أبو جعفر بن جرير الطبري فجمع فيه مجلدين أورد فيهما سائر طرقه وألفاظه، وساق الغث والسمين والصحيح والسقيم على ما جرت به عادة كثير من المحدثين، فإنهم يوردون ما وقع لهم في الباب من غير تمييز بين صحيح وضعيف، وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة "، والمعول عليه فيها ما أشرنا إليه، ونحوه مما ليس فيه خبر الاستخلاف كما يزعمه الشيعة، وعن الذهبي أن " من كنت مولاه فعلي مولاه " متواتر يتيقن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، وأما اللهم وال من والاه، فزيادة قوية الإسناد، وأما صيام ثماني عشرة ذي الحجة فليس بصحيح - ولا والله نزلت تلك الآية إلا يوم عرفة قبل غدير خم بأيام.
والشيخان لم يرويا خبر الغدير في " صحيحيهما " لعدم وجدانهما له على شرطهما، وزعمت الشيعة أن ذلك لقصور وعصبية فيهما وحاشاهما من ذلك، ووجه استدلال الشيعة بخبر - من كنت مولاه فعلي مولاه - أن المولى بمعنى الأولى بالتصرف، وأولوية التصرف عين الإمامة، ولا يخفى أن أول الغلط في هذا الاستدلال جعلهم المولى بمعنى الأولى، وقد أنكر ذلك أهل العربية قاطبة بل قالوا: لم يجىء مفعل بمعنى أفعل أصلا، ولم يجوز ذلك إلا أبو زيد اللغوي متمسكا بقول أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى: * (هي مولاكم) * (الحديد: 15) أي أولى بكم. ورد بأنه يلزم عليه صحة فلان مولى من فلان كما يصح فلان أولى من فلان، واللازم باطل إجماعا فالملزوم مثله، وتفسير أبي عبيدة بيان لحاصل المعنى، يعني النار مقركم ومصيركم والموضع اللائق بكم، وليس نصا في أن لفظ المولى ثمة بمعنى الأولى، والثاني أنا لو سلمنا أن المولى بمعنى الأولى لا يلزم أن يكون صلته بالتصرف، بل يحتمل أن يكون المراد أولى بالمحبة وأولى بالتعظيم ونحو ذلك، وكم قد جاء الأولى في كلام لا يصح معه تقدير التصرف كقوله تعالى: * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا) * (آل عمران: 68) على أن لنا قرينتين على أن المراد من الولاية من لفظ المولى أو الأولى: المحبة، إحداهما ما رويناه عن محمد بن إسحق في شكوى الذين كانوا مع الأمير كرم الله تعالى وجهه في اليمن - كبريدة الأسلمي وخالد بن الوليد وغيرهما - ولم يمنع صلى الله عليه وسلم الشاكين بخصوصهم مبالغة في طلب موالاته وتلطفا في الدعوة إليها كما هو الغالب في شأنه صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك، وللتلطف المذكور افتتح الخطبة صلى الله عليه وسلم بقوله: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم "، وثانيهما قوله عليه الصلاة والسلام على ما في بعض الروايات: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه "، فإنه لو كان المراد من المولى المتصرف في الأمور أو الأولى بالتصرف لقال عليه الصلاة والسلام: اللهم وال من كان في تصرفه وعاد من لم يكن كذلك، فحيث ذكر صلى الله عليه وسلم المحبة والعداوة فقد نبه على أن المقصود إيجاب محبته كرم الله تعالى وجهه والتحذير عن عداوته وبغضه لا التصرف وعدمه، ولو كان المراد الخلافة لصرح صلى الله عليه وسلم بها. ويدل لذلك ما رواه أبو نعيم عن الحسن المثنى بن الحسن السبط رضي الله تعالى عنهما أنهم سألوه عن هذا الخبر، هل هو نص على خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه؟ فقال: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد خلافته لقال: أيها الناس هذا ولي أمري والقائم عليكم بعدي فاسمعوا وأطيعوا، ثم قال الحسن: أقسم بالله سبحانه أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم (لو آثرا) عليا لأجل هذا الأمر - ولم يقدم
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»