العزة في قوله تعالى: * (أعزة على الكافرين) * عديت بها كما يقتضيه استعمالها، وقد قارنتها فاعتبرت المشاكلة، وقد صرحوا أنه يجوز فيها التقديم والتأخير، وقيل: لأن العزة تتعدى بعلى والذلة ضدها، فعوملت معاملتها لأن النظير كما يحمل على النظير يحمل الضد على الضد كما صرح به ابن جني وغيره، وجر أذلة - و - أعزة على أنهما صفتان - لقوم - كالجملة السابقة، وترك العطف بينهما للدلالة على استقلالهم بالاتصاف بكل منهما، وفيه دليل على صحة تأخير الصفة الصريحة عن غير الصريحة، وقد جاء ذلك في غير ما آية، ومن لم يجوزه جعل الجملة هنا معترضة ولا يخفى أنه تكلف، ومعنى كونهم أعزة على الكافرين أنهم أشداء متغلبون عليهم من عزه إذا غلبه، ونص العلامة الطيبي أن هذا الوصف جىء به للتكميل لأن الوصف قبله يوهم أنهم أذلاء محقرون في أنفسهم، فدفع ذلك الوهم بالإتيان به على حد قوله:
جلوس في مجالسهم رزان * وإن ضيف ألم فهم خفوف وقرىء أذلة - و - أعزة بالنصب على الحالية من - قوم - لتخصيصه بالصفة.
* (يجاهدون في سبيل الله) * بالقتال لإعلاء كلمته سبحانه وإعزاز دينه جل شأنه، وهو صفة أخرى - لقوم - مترتبة على ما قبلها مبينة مع ما بعدها لكيفية عزتهم، وجوز أبو البقاء أن يكون حالا من الضمير في * (أعزة) * أي يعزون مجاهدين، وأن يكون مستأنفا.
* (ولا يخافون لومة لائم) * فيما يأتون من الجهاد أو في كل ما يأتون ويذرون، وهو عطف على * (يجاهدون) * بمعنى أنهم جامعون بين المجاهدة والتصلب في الدين، وفيه تعريض بالمنافقين، وجوز أن يكون حالا من فاعل * (يجاهدون) * أي يجاهدون وحالهم غير حال المنافقين، والتعريض فيه حينئذ أظهر، وقيل: إنه على الأول لا تعريض فيه بل هو تتميم لمعنى * (يجاهدون) * مفيد للمبالغة والاستيعاب وليس بشيء، واعترض القول بالحالية بأنهم نصوا على أن المضارع المنفي - بلا أو - ما - كالمثبت في عدم جواز دخول الواو عليه، وأجيب بأن ذلك مبني على مذهب الزمخشري القائل بجواز اقتران المضارع المنفي - بلا، وما - بالواو، فإن النحاة جوزوه في المنفي - بلم، ولما - ولا فرق بينهما، و - اللومة - المرة من اللوم أي الاعتراض وهو مضاف لفاعله، وأصل لائم لاوم فاعل كقائم، وفي اللومة مع تنكير لائم مبالغتان على ما قيل، ووجه ذلك العلامة الطيبي بأنه ينتفي بانتفاء الخوف من اللومة الواحدة خوف جميع اللومات لأن النكرة في سياق النفي تعم، ثم إذا انضم إليها تنكير فاعلها يستوعب انتفاء خوف جميع اللوام، فيكون هذا تتميما في تتميم أي لا يخافون شيئا من اللوم من أحد من اللوام. وقيل عليه: بأنه كيف يكون لومة أبلغ من لوم مع ما فيها من معنى الوحدة، فلو قيل: لوم لائم كان أبلغ وأجيب بأنها في الأصل للمرة لكن المراد بها هنا الجنس، وأتى بالتاء للإشارة إلى أن جنس اللوم عندهم بمنزلة لومة واحدة، وتعقب بأنه لا يدفع السؤال لأنه لا قرينة على هذا التجوز مع بقاء الإبهام فيه، وقد يقال: إن مقام المدح قرينة قوية على ذلك.
* (ذلك) * إشارة إلى ما تقدم من الأوصاف لا بعضها كما قيل، والإفراد لما تقدم، وكذاك ما فيه من معنى البعد * (فضل الله) * أي لطفه وإحسانه * (يؤتيه من يشاء) * إيتاءه إياه لا أنهم مستقلون في الاتصاف به * (والله واسع) * كثير الفضل، أو جواد لا يخاف نفاد ما عنده سبحانه * (عليم) *