تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٥٩
خبر عسى، وفاء السببية لجعلها الجملتين كجملة واحدة مغنية عن الضمير العائد على الاسم، والمراد فيصيروا * (على ما أسروا في أنفسهم) * من الكفر والشك في أمر النبي صلى الله عليه وسلم * (ن‍ادمين) * خبر - يصبح - وبه يتعلق * (على ما أسروا) * وتخصيص الندامة به لا بما كانوا يظهرونه من موالاة الكفرة لما أنه الذي كان يحملهم على تلك الموالاة ويغريهم عليها، فدل ذلك على أن ندامتهم على التولي بأصله وسببه. وأخرج ابن منصور وابن أبي حاتم عن عمرو أنه سمع ابن الزبير يقرأ - عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبح الفساق على ما أسروا في أنفسهم نادمين - قال عمرو: لا أدري أكان ذلك منه قراءة أم تفسيرا..
* (ويقول الذين ءامنوا أه‍اؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيم‍انهم إنهم لمعكم حبطت أعم‍الهم فأصبحوا خ‍اسرين) *.
* (ويقول الذين ءامنوا) * كلام مستأنف مسوق لبيان كمال سوء حال الطائفة المذكورة. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر بغير واو على أنه استئناف بياني كأنه قيل: فماذا يقول المؤمنون حينئذ؟ وقرأ أبو عمرو ويعقوب * (ويقول) * بالنصب عطفا على * (فيصبحوا) * (المائدة: 52)، وقيل: على * (أن يأتي) * (المائدة: 52) بحسب المعنى كأنه قيل: عسى أن يأتي الله بالفتح ويقول الذين آمنوا بإسناد يأتي إلى الاسم الجليل دون ضميره، واعتبر ذلك لأن العطف على خبر - عسى - أو مفعولها يقتضي أن يكون فيه ضمير الله تعالى ليصح الإخبار به أو ليجري على استعماله، ولا ضمير فيه هنا ولا ما يغني عنه، وفي صورة العطف باعتبار المعنى تكون - عسى - تامة لإسنادها إلى * (أن) * (المائدة: 52) وما في حيزها فلا حاجة حينئذ إلى ضمير، وهذا كما قيل: قريب من عطف التوهم، وكأنهم عبروا عنه بذلك دونه تأدبا، وجوز بعضهم أن يكون * (أن يأتي) * بدلا من الاسم الجليل، والعطف على البدل، و - عسى - تامة أيضا كما صرح به الفارسي، وبعضهم يجعل العطف على خبر - عسى - ويقدر ضميرا أي: ويقول الذين آمنوا به وذهب ابن النحاس إلى أن العطف على الفتح وهو نظير: ولبس عباءة وتقر عيني واعترض بأن فيه الفصل بين أجزاء الصلة وهو لا يجوز وبأن المعنى حينئذ: عسى الله تعالى أن يأتي بقول المؤمنين وهو ركيك، وأجيب عن الأول: بالفرق بين الإجزاء بالفعل والإجزاء بالتقدير، وعن الثاني: بأن المراد عسى الله سبحانه أن يأتي بما يوجب قول المؤمنين من النصرة المظهرة لحالهم. واختار شيخ الإسلام قدس سره ما قدمناه، ولا يحتاج إلى تكلف مؤونة تقدير الضمير لأن * (فيصبحوا) * (المائدة: 52) كما علمت معطوف على يأتي والفاء كافية فيه عن الضمير، فتكفي عن الضمير في المعطوف عليه أيضا لأن المتعاطفين كالشيء الواحد، ولا حاجة مع هذا إلى القول بأن العطف عليه بناءا على أنه منصوب في جواب الترجي إجراءا له مجرى التمني - كما قال ابن الحاجب - لأن هذا إنما يجيزه الكوفيون فقط بخلاف الوجه الذي ذكرناه، والمعنى ويقول الذين آمنوا مخاطبين لليهود مشيرين إلى المنافقين الذين كانوا يوالونهم ويرجون دولتهم ويظهرون لهم غاية المحبة وعدم المفارقة عنهم في السراء والضراء عند مشاهدتهم تخيبة رجائهم وانعكاس تقديرهم لوقوع ضد ما كانوا يترقبونه، ويتعالون به تعجيبا للمخاطبين من حالهم وتعريضا بهم. * (أه‍اؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيم‍انهم إنهم لمعكم) * أي بالنصرة والمعونة - كما قالوه - فيما حكي عنهم * (وإن قوتلتم لننصرنكم) * (الحشر: 11)، فاسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبره، والمعنى إنكار ما فعلوه واستبعاده وتخطئتهم في ذلك - قاله شيخ الإسلام وغيره، واختار غير واحد - أن المعنى يقول المؤمنون الصادقون بعضهم لبعض أهؤلاء الذين أقسموا بالله تعالى لليهود إنهم لمعكم والخطاب على التقديرين لليهود إلا أنه على الأول: من
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»