مبتدأ الجبائي، وقيل: هو حكاية للأمر الوارد عليهم بتقدير فعل معطوف على - * (آتيناه) * - (المائدة: 46) أي وقلنا ليحكم أهل الإنجيل؛ وحذف القول - لدلالة ما قبله عليه - كثير في الكلام، ومنه قوله تعالى: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم) * (الرعد: 23، 24) واختار ذلك علي بن عيسى.
وقرأ حمزة * (وليحكم) * بلام الجر ونصب الفعل بأن مضمرة، والمصدر معطوف على * (هدى وموعظة) * (المائدة: 46) على تقدير كونهما معللين، وأظهرت اللام فيه لاختلاف الفاعل، فإن فاعل الفعل المقدر ضمير الله تعالى، وفاعل هذا أهل الكتاب، وهو متعلق بمحذوف على الوجه الأول في * (هدى وموعظة) * أي وآتيناه ليحكم الخ، وإنما لم يعطف لعدم صحة عطف العلة على الحال، ومنهم من جوز العطف بناءا على أن الحال هنا في معنى العلة وهو ضعيف، وقدر بعضهم في الكلام على تقدير التعليل عليه متعلقا - بأنزل - ليصح كونه علة لايتاء عيسى عليه الصلاة والسلام ما ذكر. وعن أبي علي أنه قرأ - وأن ليحكم - على أن - أن - موصولة بالأمر كما في قولك: أمرته بأن قم، ومعنى الوصل أن - أن - تتم بما بعدها جزء كلام كالذي وأخواته، ووصل - أن - المصدرية بفعل الأمر مما تكرر القول به في " الكشاف "، وذكر فيه نقلا عن سيبويه وقدر هنا أمرنا، كأنه قيل: وآتيناه الإنجيل وأمرنا بأن يحكم، وأورد على سيبويه ما دقق صاحب " الكشف " في الجواب عنه، وأتى بما يندفع به كثير من الأسئلة على أن المصدرية والتفسيرية.
* (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) * أي المتمردون الخارجون عن حكمه أو عن الإيمان، وقد مر تحقيقه، والجملة تذييل مقرر لمضمون الجملة السابقة ومؤكدة لوجوب الامتثال بالأمر، والآية تدل على أن الإنجيل مشتمل على الأحكام، وأن عيسى عليه السلام كان مستقلا بالشرع مأمورا بالعمل بما فيه من الأحكام قلت أو كثرت لا بما في التوراة خاصة، ويشهد لذلك أيضا حديث البخاري " أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها وأهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به " وخالف في ذلك بعض الفضلاء، ففي " الملل والنحل " للشهرستاني: " جميع بني إسرائيل كانوا متعبدين بشريعة موسى عليه السلام مكلفين التزام أحكام التوراة والإنجيل النازل على المسيح عليه السلام لا يحتضن أحكاما ولا يستبطن حلالا وحراما، ولكنه رموز وأمثال ومواعظ وما سواها من الشرائع والأحكام محال على التوراة ولهذا لم تكن اليهود لتنقاد لعيسى عليه الصلاة والسلام "، وحمل المخالف هذه الآية على: وليحكموا بما أنزل الله تعالى فيه إيجاب العمل بأحكام التوراة، وهو خلاف الظاهر كتخصيص ما أنزل فيه نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم..
* (وأنزلنآ إليك الكتابب الحق مصدقا لما بين يديه من الكتابومهيمنا عليه فاحكم بينهم بمآ أنزل الله ولا تتبع أهوآءهم عما جآءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شآء الله لجعلكم أمة واحدة ولاكن ليبلوكم فى مآ ءاتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) *.
* (وأنزلنا إليك الكتاب) * أي الفرد الكامل الحقيق بأن يسمى كتابا على الإطلاق لتفوقه على سائر الكتب السماوية - وهو القرآن العظيم - فاللام للعهد، والجملة عطف على * (أنزلنا) * (المائدة: 44) وما عطف عليه، وقوله تعالى: * (بالحق) * حال مؤكدة من الكتاب أي متلبسا بالحق والصدق، وجوز أن يكون حالا من فاعل * (أنزلنا) *، وقيل: حال من الكاف في * (إليك) * وقوله تعالى: * (مصدقا لما بين يديه) * حال من * (الكتاب) * أي حال كونه مصدقا لما تقدمه، وقد تقدم الكلام في كيفية تصديقه لذلك، وزعم أبو البقاء عدم جواز كونه حالا مما ذكر إذ لا يكون حالان لعامل واحد، وأوجب كونه حالا من الضمير المستكن في الجار والمجرور قبله، وقوله سبحانه: * (من الكتاب) * بيان * (لما) * واللام فيه للجنس بناءا على ادعاء أن ما عدا الكتب