تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٤٨
أن الفصل المقدر يكفي للعطف وفيه نظر، ويقدر المتعلق على هذا عاما ليصح العطف إذ لو قدر النفس مقتولة بالنفس والعين لم يستقم المعنى كما لا يخفى فليفهم.
واعلم أن النفس في كلامهم إذا أريد منها الإنسان بعينه مذكر، ويقال: ثلاثة أنفس على معنى ثلاثة أشخاص، وإذا أريد بها الروح فهي مؤنثة لا غير، وتصغيرها نفيسة لا غير، والعين بمعنى الجارحة المخصوصة مؤنثة، وإطلاق القول بالتأنيث لا يظهر له وجه إذ لا يصح أن يقال: هذه عين هؤلاء الرجال، وأنت تريد الخيار، والأذن مثلها، والأنف مذكر لا غير، والسن تؤنث ولا تذكر وإن كانت السن من الكبر لكن ذكر ابن الشحنة أن السن تطلق على الضرس والناب، وقد نصوا على أنهما مذكران وكذا الناجذ والضاحك والعارض، ونص ابن عصفور على أن الضرس يجوز فيه الأمران، ونظم ما يجوز فيه ذلك بقوله: وهاك من الأعضاء ما قد عددته * تؤنث أحيانا وحينا تذكر لسان الفتى والإبط والعنق والقفا * وعاتقه والمتن والضرس يذكر وعندي الذراع. والكراع مع المعى * وعجز الفتى ثم القريض المحبر كذا كل نحوي حكى في كتابه * سوى سيبويه وهو فيهم مكبر يرى أن تأنيث الذراع هو الذي * أتى وهو للتذكير في ذلك منكر وقد شاع أن ما منه اثنان في البدن كاليد والضلع والرجل مؤنث، وما منه واحد كالرأس والفم والبطن مذكر، وليس ذاك بمطرد، فإن الحاجب والصدغ والخد والمرفق والزند كل منها مذكر مع أن في البدن منه اثنين، والكبد والكرش فإنهما مؤنثان وليس منهما في البدن إلا واحد، وتفصيل ما يذكر ولا يؤنث وما يؤنث ولا يذكر من الأعضاء يفضي إلى بسط يد المقال، والكف أولى بمقتضى الحال هذا.
* (والجروح قصاص) * بالنصب عطف على اسم أن، و * (قصاص) * هو الخبر، ولكونه مصدرا كالقتال، وليس عين المخبر عن يؤول بأحد التأويلات المعروفة في أمثاله، والكسائي كما قرأ بالرفع فيما قبل قرأ به هنا أيضا، وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وإن نصبوا فيما تقدم رفعوا هنا على أنه إجمال لحكم الجراح بعد ما فصل حكم غيرها من الأعضاء، وهذا الحكم فيما إذا كانت بحيث تعرف المساواة كما فصل في الكتب الفقهية.
واستدل بعموم * (أن النفس بالنفس) * من قال: يقتل المسلم بالكافر والحر بالعبد والرجل بالمرأة، ومن خالف استدل بقوله تعالى: * (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) * (البقرة: 178) وبقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل مؤمن بكافر " وأجاب بعض أصحابنا بأن النص تخصيص بالذكر فلا يدل على نفي ما عداه، والمراد بما روى الحربي لسياقه " ولا ذوعهد في عهده "، والعطف يقتضي المغايرة، وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قتل مسلما بذمي، وذكر ابن الفرس أن الآية في الأحرار المسلمين لأن اليهود المكتوب عليهم ذلك في التوراة كانوا ملة واحدة ليسوا منقسمين إلى مسلم وكافر، وكانوا كلهم أحرارا لا عبيد فيهم، لأن عقد الذمة والاستعباد إنما أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء لأن الاستبعاد من الغنائم، ولم تحل لغيره عليه الصلاة والسلام، وعقد الذمة لبقاء الكفار ولم يقع ذلك في عهد نبي بل كان المكذبون يهلكون جميعا بالعذاب، وأخر ذلك في هذه الأمة رحمة انتهى.
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»