تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٥٠
لا يقتلوا الشريف بالوضيع والرجل بالمرأة، فلم ينصفوا المظلوم من الظالم، وعن السيد السند أن القصاص كان في شريعتهم متعينا عليهم فيكون التصدق مما زيد في شريعتنا، وقال الضحاك: لم يجعل في التوراة دية في نفس ولا جرح، وإنما كان العفو أو القصاص وهو الذي يقتصيه ظاهر الآية..
* (وقفينا على ءاث‍ارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وءاتين‍اه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين) *.
* (وقفينا على ءاث‍ارهم) * شروع في بيان أحكام الإنجيل - كما قيل - إثر بيان أحكام التوراة، وهو عطف على * (أنزلنا التوراة) * (المائدة: 44) وضمير الجمع المجرور - للنبيين الذين أسلموا - كما قاله أكثر المفسرين، واختاره علي بن عيسى والبلخي، وقيل: للذين فرض عليهم الحكم الذي مضى ذكره، وحكي ذلك عن الجبائي - وليس بالمختار - والتقفية الاتباع، ويقال: قفا فلان إثر فلان إذا تبعه، وقفيته بفلان إذا أتبعته إياه، والتقدير هنا أتبعناهم على آثارهم * (بعيسى ابن مريم) * فالفعل كما قيل: متعد لمفعولين أحدهما بنفسه والآخر بالباء، والمفعول الأول محذوف، و * (على آثارهم) * كالساد مسده لأنه إذا قفا به على آثارهم فقد قفاهم به، واعترض بأن الفعل قبل التضعيف كان متعديا إلى واحد، وتعدية المتعدي إلى واحد لثان بالباء لا تجوز سواء كان بالهمزة أو التضعيف، ورد بأن الصواب أنه جائز لكنه قليل، وقد جاء منه ألفاظ قالوا: صك الحجر الحجر، وصككت الحجر بالحجر، ودفع زيد عمرا ودفعت زيدا بعمرو أن جعلته دافعا له. وذهب بعض المحققين إلى أن التضعيف فيما نحن فيه ليس للتعدية، وأن تعلق الجار بالفعل لتضمينه معنى المجيء أي جئنا بعيسى ابن مريم على آثارهم قافيا لهم فهو متعد لواحد لا غير بالباء، وحاصل المعنى أرسلنا عيسى عليه السلام عقيبهم * (مصدقا لما بين يديه من التوراة) * حال من عيسى مؤكدة فإن ذلك من لازم الرسول عليه الصلاة والسلام.
* (وءاتين‍اه الاإنجيل) * عطف على * (قفينا) *، وقرأ الحسن بفتح الهمزة، ووجه صحة ذلك أنه اسم أعجمي فلا بأس بأن يكون على ما ليس في أوزان العرب، وهو بأفعيل أو فعليل بالفتح، وإما إفعيل بالكسر فله نظائر - كإبزيم وإحليل - وغير ذلك * (فيه هدى ونور) * كما في التوراة، والجملة في موضع النصب على أنها حال من الإنجيل، وقوله تعالى: * (ومصدقا لما بين يديه من التوراة) * عطف على الحال وهو حال أيضا، وعطف الحال المفردة على الجملة الحالية وعكسه جائز لتأويلها بمفرد وتكرير هذا لزيادة التقرير، وقوله عز وجل: * (وهدى وموعظة للمتقين) * عطف على ما تقدم منتظم معه في سلك الحالية، وجعل كله هدى - بعد ما جعل مشتملا عليه - مبالغة في التنويه بشأنه لما أن فيه البشارة بنبينا صلى الله عليه وسلم أظهر، وتخصيص المتقين بالذكر لأنهم المهتدون بهداه والمنتفعون بجدواه، وجوز نصب * (هدى وموعظة) * على المفعول لها عطفا على مفعول له آخر مقدر أي إثباتا لنبوته وهدى الخ، ويجوز أن يكونا معللين لفعل محذوف عامل فيه أي: وهدى وموعظة للمتقين آتيناه ذلك..
* (وليحكم أهل الإنجيل بمآ أنزل الله فيه ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأول‍ائك هم الف‍اسقون) *.
* (وليحكم أهل الاإنجيل بما أنزل الله فيه) * أمر مبتدأ لهم بأن يحكموا ويعملوا بما فيه من الأمور التي من جملتها دلائل رسالته صلى الله عليه وسلم وما قررته شريعته الشريفة من أحكامه، وأما الأحكام المنسوخة فليس الحكم بها حكما بما أنزل الله تعالى بل هو إبطال وتعطيل له إذ هو شاهد بنسخها وانتهاء وقت العمل بها لأن شهادته بصحة ما ينسخها من الشريعة الأحمدية شاهدة بنسخها، وأن أحكامه ما قررته تلك الشريعة التي تشهد بصحتها - كما قرره شيخ الإسلام قدس سره - واختار كونه أمرا
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»