تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٥٦
والمراد بالجاهلية الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى الموجبة للميل والمداهنة في الأحكام، أو الأمة الجاهلية، وحكمهم: ما كانوا عليه من التفاضل فيما بين القتلى، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي أهل الجاهلية، وحكمهم: ما ذكر، فقد روي أن بني النضير لما تحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصومة قتيل وقعت بينهم وبين بني قريظة طلب بعضهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما كان عليه أهل الجاهلية من التفاضل، فقال عليه الصلاة والسلام: " القتلى بواء فقال بنو النضير: نحن لا نرضى بذلك " فنزلت، وقرأ ابن عامر - تبغون - بالتاء، وهي إما على الالتفات لتشديد التوبيخ، وإما بتقدير القول أي قل لهم أفحكم الخ، وقرأ ابن وثاب والأعرج وأبو عبد الرحمن وغيرهم * (أفحكم) * بالرفع على أنه مبتدأ، و * (يبغون) * خبره، والعائد محذوف، وقيل: الخبر محذوف، والمذكور صفته أي حكم يبغون، واستضعف حذف العائد من الخبر، وذكر ابن جني أنه جاء الحذف منه كما جاء الحذف من الصلة والصفة كقوله: قد أصبحت أم الخيار تدعي * علي ذنبا كله لم أصنع وقال أبو حيان وحسن الحذف في الآية شبه * (يبغون) * برأس الفاصلة فصار كالمشاكلة، وزعم - أن القراءة المذكورة خطأ - خطأ كما لا يخفى، وقرأ قتادة * (أفحكم) * بفتح الفاء والحاء والكاف، أي أفحاكما كحكام الجاهلية يبغون وكانت الجاهلية تسمى من قبل - كما أخرج ابن أبي حاتم عن عروة - عالمية حتى جاءت امرأة فقالت يا رسول الله كان في الجاهلية كذا وكذا فأنزل الله تعالى ذكر الجاهلية وحكم عليهم بهذا العنوان.
* (ومن أحسن من الله حكما) * إنكار لأن يكون أحد حكمه أحسن من حكم الله تعالى، أو مساو له كما يدل عليه الاستعمال وإن كان ظاهر السبك غير متعرض لنفي المساواة وإنكارها * (لقوم يوقنون) * أي عند قوم، فاللام بمعنى عند، وإليه ذهب الجبائي، وضعفه في " الدر المصون "، وصحح أنها للبيان متعلقة بمحذوف كما في * (هيت لك) * (يوسف: 23) وسقيا لك، أي تبين وظهر مضمون هذا الاستفهام الإنكاري لقوم يتدبرون الأمور ويتحققون الأشياء بأنظارهم وأما غيرهم فلا يعلمون أنه لا أحسن حكما من الله تعالى، ولعل من فسر بعند أراد بيان محصل المعنى، وقيل: إن اللام على أصلها، وأنها صلة أي حكم الله تعالى للمؤمنين على الكافرين أحسن الأحكام وأعدلها، وهذه الجملة حالية مقررة لمعنى الإنكار السابق..
* (ي‍اأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنص‍ارى أوليآء بعضهم أوليآء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظ‍المين) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا) * خطاب يعم حكمه كافة المؤمنين من المخلصين وغيرهم، وإن كان سبب وروده بعضا - كما ستعرفه إن شاء الله تعالى - ووصفهم بعنوان الإيمان لحملهم من أول الأمر على الانزجار عما نهوا عنه بقوله سبحانه: * (لا تتخذوا اليهود والنص‍ارى أولياء) * فإن تذكير اتصافهم بضد صفات الفريقين من أقوى الزواجر عن مولاتهما أي لا يتخذ أحد منكم أحدا منهم وليا بمعنى لا تصافوهم مصافاة الأحباب ولا تستنصروهم.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما كانت وقعة أحد اشتد على طائفة من الناس وتخوفوا أن تدال عليهم الكفار، فقال رجل لصاحبه: أما أنا فألحق بذلك اليهودي فآخذ منه أمانا وأتهود معه فإني أخاف أن تدال علينا اليهود، وقال الآخر: أما أنا فألحق بفلان النصراني ببعض أرض الشام فآخذ منه أمانا وأتنصر معه، فأنزل الله تعالى فيهما ينهاهما * (يا أيها الذين آمنوا) * الخ.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»