تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٤٤
تقيكم الحر) * (النحل: 81) وإما متعلق - بأنزلنا - ولعل الفاصل ليس بالأجنبي ليضر، وقيل: بأنزل على صيغة المبني للمفعول، وحذف لدلالة الكلام عليه، وتكون الجملة حينئذ معترضة، وعلى هذا تكون الآية نصا في تخصيص النبيين بأنبياء بني إسرائيل لأنه لا يلزم من إنزالها لهم اختصاصها بهم، وقيل: الجار متعلق - بهدى ونور - وفيه فصل بين المصدر ومعموله، وقيل: متعلق بمحذوف وقع صفة لهما أي هدى ونور كائنان لهما، وكلام الزجاج يحتمل هذا وما قبله.
* (والربانيون والأحبار) * أي العباد والعلماء قاله قتادة، وقال مجاهد: الربانيون العلماء الفقهاء وهم فوق الأحبار، وعن ابن زيد الربانيون الولاة، والأحبار العلماء، والواحد: حبر بالفتح والكسر، قال الفراء: وأكثر ما سمعت فيه الكسر، وهو مأخوذ من التحبير والتحسين، فإن العلماء يحبرون العلم ويزينونه ويبينونه، ومن ذلك الحبر - بكسر الحاء لا غير - لما يكتب به، وهذا عطف على * (النبيون) * أي هم أيضا يحكمون بأحكامها، وتوسيط المحكوم لهم - كما قال شيخ الإسلام - بين المتعاطفين للإيذان بأن الأصل في الحكم بها، وحمل الناس على ما فيها هم النبيون، وإنما الربانيون والأحبار خلفاء ونواب لهم في ذلك كما ينبىء عنه قوله تعالى: * (بما استحفظوا) * أي بالذي استحفظوه من جهة النبيين وهو التوراة حيث سألوهم أن يحفظوها من التغيير والتبديل على الإطلاق، ولا ريب في أن ذلك منهم عليهم السلام مشعر باستخلافهم في إجراء أحكامها من غير إخلال بشيء منها، والجار متعلق بيحكم، و (ما) موصولة، وضمير الجمع عائد إلى الربانيين والأحبار.
وقوله تعالى: * (من كت‍ابالله) * بيان - لما - وفي الإبهام والبيان بذلك ما لا يخفى من تفخيم أمر التوراة ذاتا وإضافة، وفيه أيضا تأكيد إيجاب حفظها والعمل بما فيها، والباء الداخلة على الموصول سببية فلا يلزم تعلق حرفي جر متحدي المعنى بفعل واحد أي ويحكم الربانيون والأحبار أيضا بالتوراة بسبب ما حفظوه من كتاب الله حسبما وصاهم به أنبياؤهم وسألوهم أن يحفظوه، وليس المراد بسببيته لحكمهم ذلك سببيته من حيث الذات بل من حيث كونه محفوظا، فإن تعليق حكمهم بالموصول مشعر بسببية الحفظ المترتب لا محالة على ما في حيز الصلة من الاستحفاظ له، وتوهم بعضهم أن ما بمعنى أمر، و * (من) * لتبيين مفعول محذوف - لاستحفظوا - والتقدير بسبب أمر استحفظوا به شيئا من كتاب الله وهو مما لا ينبغي أن يخرج عليه كتاب الله تعالى، وقيل: الأولى أن تجعل (ما) مصدرية ليستغنى عن تقدير العائد، وحينئذ لا يتأتى القول بأن * (من) * بيان لها، ومن الناس من جوز كون * (بما) * بدلا من بها، وأعيد الجار لطول الفصل وهو جائز أيضا وإن لم يطل، ومنهم من أرجع الضمير المرفوع للنبيين ومن عطف عليهم، فالمستحفظ حينئذ هو الله تعالى، وحديث الأبناء لا يتأتى إذ ذاك، وقيل: إن * (الربانيون) * فاعل بفعل محذوف والباء صلة له، والجملة معطوفة على ما قبلها، أي ويحكم الربانيون والأحبار بحكم كتاب الله تعالى الذي سألهم أنبياؤهم أن يحفظوه من التغيير.
* (وكانوا عليه شهداء) * عطف على * (استحفظوا) * ومعنى شهداء رقباء يحمونه من أن يحوم حول حماه التغيير والتبديل بوجه من الوجوه، أو شهداء عليه أنه حق. ورجح على الأول بأنه يلزم عليه أن يكون * (الربانيون والأحبار) * رقباء على أنفسهم لا يتركونها أن تغير وتحرف التوراة لأن المحرف لا يكون إلا منهم لا من العامة، وهو كما ترى ليس فيه مزيد معنى، وإرجاع ضمير * (كانوا) * للنبيين مما لا يكاد يجوز، وقيل: عطف على * (يحكم) * المحذوف المراد منه حكاية الحال الماضية أي حكم الربانيون والأحبار بكتاب الله تعالى.
(١٤٤)
مفاتيح البحث: الشهادة (3)، الجواز (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»