* (من بعد ما جاءتهم البينات) * أي المعجزات التي أظهرها لفرعون من العصا واليد البيضاء وفلق البحر. وغيرها، أو الحجج الواضحة الدالة على ألوهيته تعالى ووحدته لا التوراة لأنها إنما نزلت عليهم بعد الاتخاذ * (فعفونا عن ذالك) * الاتخاذ حين تابوا، وفي هذا على ما قيل: استدعاء لهم إلى التوبة كأنه قيل: إن أولئك الذين أجرموا تابوا فعفونا عنهم فتوبوا أنتم أيضا حتى نعفو عنكم. * (وءاتينا موسى سلطانا مبينا) * أي تسلطا ظاهرا عليهم حين أمرهم أن يقتلوا أنفسهم توبة عن اتخاذهم، وهذا على ما قيل: وإن كان قبل العفو فإن الأمر بالقتل كان قبل التوبة لأن قبول القتل كان توبة لهم، لكن الواو لا تقتضي الترتيب، واستظهر أن لا يجعل التسلط ذلك التسلط بل تسلطا بعد العفو حيث انقادوا له ولم يتمكنوا بعد ذلك من مخالفته..
* (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا فى السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) *.
* (ورفعنا فوقهم الطور) * وهو ما روي عن قتادة جبل كانوا في أصله فرفعه الله تعالى فجعله فوقهم كأنه ظلة، وكان كمعسكرهم قدر فرسخ في فرسخ وليس هو - على ما هو في " البحر " - الجبل المعروف بطور سيناء، والظرف متعلق - برفعنا - وجوز أن يكون حالا من الطور أي رفعنا الطور كائنا فوقهم * (بميثاقهم) * أي بسبب ميثاقهم ليعطوه - على ما روي - أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة فرفع عليهم فقبلوها، أو ليخافوا فلا ينقضوا الميثاق - على ما روي - أنهم هموا بنقضه فرفع عليهم الجبل فخافوا وأقلعوا عن النقض، قيل: وهو الأنسب بقوله تعالى بعد: * (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) *، وزعم الجبائي أن المراد بنقض ميثاقهم الذي أخذ عليهم بأن يعملوا بما في التوراة فنقضوه بعبادة العجل، وفيه إن التوراة إنما نزلت بعد عبادتهم العجل كما مر آنفا فلا يتأتى هذا، وقال أبو مسلم: إنما رفع الله تعالى الجبل فوقهم إظلالا لهم من الشمس جزاءا لعهدهم وكرامة لهم، ولا يخفى أن هذا خرق لإجماع المفسرين، وليس له مستند أصلا.
* (وقلنا لهم) * على لسان يوشع عليه السلام بعد مضي زمان التيه * (ادخلوا الباب) * قال قتادة فيما رواه ابن المنذر وغيره عنه: كنا نتحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس، وقيل: هو إيلياء، وقيل: أريحاء، وقيل: هو اسم قرية أو: قلنا لهم على لسان موسى عليه السلام والطور مظل عليهم ادخلوا الباب المذكور إذا خرجتم من التيه، أو باب القبة التي كانوا يصلون إليها لأنهم لم يخرجوا من التيه في حياته عليه السلام والظاهر عدم القيد * (سجدا) * متطامنين خاضعين، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ركعا، وقيل: ساجدين على جباهكم شكرا لله تعالى.
* (وقلنا لهم) * على لسان داود عليه السلام * (لا تعدوا) * أي لا تتجاوزوا ما أبيح لكم، أو لا تظلموا باصطياد الحيتان * (في السبت) * ويحتمل - كما قال القاضي (البيضاوي) بيض الله تعالى غرة أحواله - أن يراد على لسان موسى عليه السلام حين ظلل الجبل عليهم فإنه شرع السبت لكن كان الاعتداء فيه، والمسخ في زمن داود عليه السلام، وقرأ ورش عن نافع * (لا تعدوا) * بفتح العين وتشديد الدال، وروي عن قالون تارة سكون العين سكونا محضا، وتارة إخفاء فتحة العين، فأما الأول فأصلها - تعتدوا - لقوله تعالى: * (اعتدوا منكم في السبت) * (البقرة: 65) فإنه يدل على أنه من الاعتداء وهو افتعال من العدوان. فأريد إدغام تائه في الدال فنقلت حركتها إلى العين وقلبت دالا وأدغمت، وأما السكون المحض فشيء لا يراه النحويون لأنه جمع بين ساكنين على غير حدهما، وأما الإخفاء والاختلاس فهو أخف من ذلك لما أنه قريب من الإتيان بحركة ما، وقرأ الأعمش - تعتدوا -