تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٩٦
البعض لما فيه من التكلف، وذهب بعضهم للتخلص من الإيراد إلى أن الاستثناء من قوله تعالى: * (أذاعوا به) *، وروي ذلك عن ابن عباس - وهو اختيار المبرد والكسائي والفراء والبلخي والطبري - واتخذ القاضي أبو بكر الآية دليلا في الرد على من جزم بعود الاستثناء عند تعدد الجمل إلى الأخيرة. وعن بعض أهل اللغة أن الاستثناء من قوله سبحانه: * (لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * (النساء: 82) وعن أكثرهم أنه من قوله تعالى: * (لعلمه الذين يستنبطونه) * واعترضه الفراء والمبرد بأن ما يعلم بالاستنباط فالأقل يعلمه والأكثر يجهله، وصرف الاستثناء إلى ما ذكروه يقتضي ضد ذلك، وتعقب ذلك الزجاج بأنه غلط لأنه لا يراد بهذا الاستنباط ما يستخرج بنظر دقيق وفكر غامض إنما هو استنباط خبر؛ وإذا كان كذلك فالأكثرون يعرفونه ولا يجهله إلا البالغ في البلادة - وفيه نظر - وبعضهم إلى جعل الاستثناء مفرغا من المصدر فما بعد * (إلا) * منصوب على أنه مفعول مطلق أي لاتبعتموه كل اتباع إلا اتباعا قليلا بأن تبقوا على إجراء الكفر وآثاره إلا البقاء القليل النادر بالنسبة إلى البعض، وذلك قد يكون بمجرد الطبع والعادة، وأحسن الوجوه وأقربها إلى التحقيق عند الإمام ما ذكره أبو مسلم، وأيد التخصيص فيما ذهب إليه الأنباري بأن قوله تعالى: * (ومن يطع الرسول) * (النساء: 80) الخ، وقوله سبحانه: * (أفلا يتدبرون القرآن) * (النساء: 82) يشهدان له، وفي الذي بعده بأن قوله عز وجل: * (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف) * الخ [بم وقوله جل وعلا:.
* (فقاتل فى سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا) *.
* (فق‍اتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) * يشهد له وأنت تعلم أن قرينة التخصيص بهما غير ظاهرة، والفاء في هذه الآية واقعة في جواب شرط محذوف ينساق إليه النظم الكريم أي إذا كان الأمر كما حكى من عدم طاعة المنافقين وتقصير الآخرين في مراعاة أحكام الإسلام فقاتل أنت وحدك غير مكترث بما فعلوا. ونقل الطبرسي في اتصال الآية قولين: أحدهما: أنها متصلة بقوله تعالى: * (ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما) * (النساء: 74) والمعنى فإن أردت الأجر العظيم فقاتل، ونقل عن الزجاج، وثانيهما: أنها متصلة بقوله عز وجل: * (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله) * (النساء: 75) والمعنى إن لم يقاتلوا في سبيل الله فقاتل أنت وحدك، وقيل: هي متصلة بقوله تعالى: * (فقاتلوا أولياء الشيطان) * (النساء: 76) ومعنى * (لا تكلف إلا نفسك) * لا تكلف إلا فعلها إذ لا تكليف بالذوات، وهو استثناء مقرر لما قبله فإن اختصاص تكليفه عليه الصلاة والسلام بفعل نفسه من موجبات مباشرته صلى الله عليه وسلم للقتال وحده، وفيه دلالة على أن ما فعلوه من التثبيط والتقاعد لا يضره صلى الله عليه وسلم ولا يؤاخذ به، وذهب بعض المحققين إلى أن الكلام مجاز أو كناية عن ذلك فلا يرد أنه مأمور بتكليف الناس، فكيف هذا ولا حاجة إلى ما قيل، بل في ثبوته فقال: إنه عليه الصلاة والسلام كان مأمورا بأن يقاتل وحده أولا، ولهذا قال الصديق رضي الله تعالى عنه في أهل الردة: أقاتلهم وحدي ولو خالفتني يميني لقاتلتها بشمالي، وجعل أبو البقاء هذه الجملة في موضع الحال من فاعل - قاتل - أي فقاتل غير مكلف إلا نفسك، وقرىء * (لا تكلف) * بالجزم على أن لا ناهية والفعل مجزوم بها أي لا تكلف أحدا الخروج إلا نفسك، وقيل: هو مجزوم في جواب الأمر وهو بعيد، و (لا نكلف) بالنون على بناء الفاعل فنفسك مفعول ثان بتقدير مضاف، وليس في موقع المفعول الأول أي لا نكلفك إلا فعل نفسك لا أنا لا نكلف أحدا إلا نفسك، وقيل: لا مانع من ذلك على معنى لا نكلف أحدا هذا التكليف إلا نفسك. والمراد من هذا التكليف مقاتلته وحده.
* (وحرض المؤمنين) * أي حثهم على القتال ورغبهم فيه وعظهم
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»