* (ومن يشفع شفاعة سيئة) * وهي ما كانت بخلاف الحسنة، ومنها الشفاعة في حد من حدود الله تعالى ففي الخبر: " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى فقد ضاد الله تعالى في ملكه ومن أعان على خصومة بغير علم كان في سخط الله تعالى حتى ينزع " واستثني من الحدود القصاص، فالشفاعة في إسقاطه إلى الدية غير محرمة * (يكن له كفل منها) * أي نصيب من وزرها، وبذلك فسره السدي والربيع وابن زيد وكثير من أهل اللغة، فالتعبير بالنصيب في الشفاعة الحسنة، وبالكفل في الشفاعة السيئة للتفنن، وفرق بينهما بعض المحققين بأن النصيب يشمل الزيادة، والكفل هو المثل المساوي، فاختيار النصيب أولا لأن جزاء الحسنة يضاعف؛ والكفل ثانيا لأن من جاء بالسيئة لا يجزى إلا مثلها، ففي الآية إشارة إلى لطف الله تعالى بعباده، وقال بعضهم: إن الكفل وإن كان بمعنى النصيب إلا أنه غلب في الشر وندر في غيره كقوله تعالى: * (يؤتكم كفلين من رحمته) * (الحديد: 28) فلذا خص بالسيئة تطرية وهربا من التكرار * (وكان الله على كل شيء مقيتا) * أي مقتدرا - كما قاله ابن عباس - حين سأله عنه نافع بن الأزرق واستشهد عليه بقول أحيحة الأنصاري: وذي ضغن كففت النفس عنه * وكنت على مساءته (مقيتا) وروي ذلك عن جماعة من التابعين، وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه الحفيظ واشتقاقه من القوت، فإنه يقوي البدن ويحفظه، وعن الجبائي أنه المجازي أي يجازي على كل شيء من الحسنات والسيئات، وأصله مقوت فأعل كمقيم؛ والجملة تذييل مقرر لما قبلها على سائر التفاسير..
* (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منهآ أو ردوهآ إن الله كان على كل شىء حسيبا) *.
* (وإذا حييتم بتحية) * ترغيب كما قال شيخ الإسلام: في فرد شائع من (أفراد) الشفاعة الحسنة إثر ما رغب فيها على الإطلاق وحذر عما يقابلها من الشفاعة السيئة، فإن تحية الإسلام من المسلم شفاعة منه لأخيه عند الله عز وجل، وهذا أولى في الارتباط مما قاله الطبرسي: " إنه لما كان المراد بالسلام المسالمة التي هي ضد الحرب - وقد تقدم ذكر القتال - عقبه به للإشارة إلى الكف عمن ألقى إلى المؤمنين السلم وحياهم بتحية الإسلام "، والتحية مصدر حيي أصلها تحيية - (كتتمية)، وتزكية - وأصل الأصل تحيي بثلاث ياءات فحذفت الأخيرة وعوض عنها هاء التأنيث ونقلت حركة الياء الأولى إلى ما قبلها، ثم أدغمت وهي في الأصل كما قال الراغب: الدعاء بالحياة وطولها، ثم استعملت في كل دعاء، وكانت العرب إذا لقي بعضهم بعضا تقول: حياك الله تعالى، ثم استعملها الشرع في السلام، وهو تحية الإسلام قال الله تعالى: * (تحيتهم يوم يلقونه سلام) * (الأحزاب: 44) وقال سبحانه: * (فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله) * (النور: 61)، وفيه على ما قالوا: مزية على قولهم: حياك الله تعالى لما أنه دعاء بالسلامة عن الآفات، وربما تستلزم طول الحياة، وليس في ذلك سوى الدعاء بطول الحياة أو به وبالملك، ورب حياة الموت خير منها. ألا موت يباع فأشتريه * فهذا العيش ما لا خير فيه ألا رحم المهيمن نفس حر * تصدق بالممات على أخيه وقال آخر: ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت من يعيش كئيبا * كاسفا باله قليل الرجاء ولأن السلام من أسمائه تعالى والبداءة بذكره مما لا ريب في فضله ومزيته أي إذا سلم عليكم من جهة المؤمنين