تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٣٨
لتنطمس نفوسهم أو تصير ساذجة لا نقش فيها من العقائد الفاسدة والرذائل الموبقة * (ولا يكتمون الله حديثا) * (النساء: 42) أي لا يقدرون على كتم حديث من تلك النقوش وهيهات أنى يخفون شيئا منها، وقد صارت الجبال كالعهن المنفوش:
سهم أصاب وراميه بذي سلم * من بالعراق لقد أبعدت مرماك والله تعالى يتولى الحق وهو يهدي السبيل..
* (ي‍اأيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلواة وأنتم سك‍ارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جآء أحد منكم من الغآئط أو ل‍امستم النسآء فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا) *.
* (ي‍اأيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلواة وأنتم سك‍ارى حتى تعلموا ما تقولون) * إرشاد لإخلاص الصلاة التي هي رأس العبادة من شوائب الكدر ليجمعوا بين إخلاص عبادة الحق ومكارم الأخلاق التي بينهم وبين الخلق المبينة فيما تقدم وبهذا يحصل الربط، ويجوز أن يقال: لما نهوا فيما سلف عن الإشراك به تعالى نهوا ههنا عما يؤدي إليه من حيث لا يحتسبون، فقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: " صنع لنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون فنزلت ". وفي رواية ابن جرير وابن المنذر عن علي كرم الله تعالى وجهه: " إن إمام القوم يومئذ هو عبد الرحمن وكانت الصلاة صلاة المغرب وكان ذلك لما كانت الخمر مباحة، والخطاب للصحابة وتصدير الكلام بحرفي النداء والتنبيه اعتناءا بشأن الحكم، والمراد بالصلاة عند الكثير الهيئة المخصوصة، وبقربها القيام إليها والتلبس بها إلا أنه نهى عن القرب مبالغة، وبالسكر الحالة المقررة التي تحصل لشارب الخمر، ومادته تدل على الانسداد ومنه سكرت أعينهم أي انسدت، والمعنى لا تصلوا في حالة السكر حتى تعلموا قبل الشروع ما تقولونه قبلها إذ بذلك يظهر أنكم ستعلمون ما ستقرءونه فيها، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير أن المعنى - لا تقربوا الصلاة وأنتم نشاوى من الشراب حتى تعلموا ما تقرءونه في صلاتكم - ولعل مراده حتى تكونوا بحيث تعلمون ما تقرءونه وإلا فهو يستدعي تقدم الشروع في الصلاة على غاية النهي، وإذا أريد ذلك رجع إلى ما تقدم ولكن فيه تطويل بلا طائل على أن إيثار * (ما تقولون) * على ما تقرؤون حينئذ يكون عاريا عن الداعي، وروي عن ابن المسيب والضحاك وعكرمة والحسن أن المراد من الصلاة مواضعها فهو مجاز من ذكر الحال وإرادة المحل بقرينة قوله تعالى فيما يأتي: * (إلا عابري سبيل) * فإنه يدل عليه بحسب الظاهر، فالآية مسوقة عن نهي قربان السكران المسجد تعظيما له، وفي الخبر " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " ويأباه ظاهر قوله تعالى: * (حتى تعلموا ما تقولون) * وروي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه حمل الصلاة على الهيئة المخصوصة وعلى مواضعها مراعاة للقولين، وفي الكلام حينئذ الجمع بين الحقيقة والمجاز ونحن لا نقول به، وروي عن جعفر رضي الله تعالى عنه والضحاك - وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - أن المراد من السكر سكر النعاس وغلبة النوم، وأيد بما أخرجه البخاري عن أنس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف فلينم حتى يعلم ما يقول " وروي مثله عن عائشة رضي الله تعالى عنها - وفيه بعد - وأبعد منه حمله على سكر الخمر وسكر النوم لما فيه من الجمع بين الحقيقة والمجاز، أو عموم المجاز مع عدم القرينة الواضحة على ذلك، وأيا ما كان فليس مرجع النهي هو المقيد مع بقاء القيد مرخصا بحاله بل إنما هو القيد مع بقاء المقيد على حاله لأن القيد مصب النفي والنهي في كلامهم ولأنه مكلف بالصلاة مأمور بها والنهي ينافيه، نعم لا مانع عن النهي عنها للسكران مع الأمر المطلق إلا أن مرجعه إلى هذا.
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»