تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٢١٤
على المشارفة ليصح وقوع خافوا جزاءا له ضرورة أنه لا خوف بعد حقيقة الموت وترك الورثة، وفي ترتيب الأمر على الوصف المذكور في حيز الصلة المشعر بالعلية إشارة إلى أن المقصود من الأمر أن لا يضيعوا اليتامى حتى لا تضيع أولادهم، وفيه تهديد لهم بأنهم إن فعلوه أضاع الله أولادهم، ورمز إلى أنهم إن راعوا الأمر حفظ الله تعالى أولادهم، أخرج ابن جرير عن الشيباني قال: كنا في القسطنطينية أيام مسلمة بن عبد الملك وفينا ابن محيريز وابن الديلمي وهانىء بن كلثوم فجعلنا نتذاكر ما يكون في آخر الزمان فضقت ذرعا مما سمعت فقلت لابن الديلمي: يا أبا بشر يودني أنه لا يولد لي ولد أبدا فضرب بيده على منكبي وقال: يا ابن أخي لا تفعل فإنه ليست من نسمة كتب الله أن تخرج من صلب رجل إلا وهي خارجة إن شاء وإن أبى، ثم قال: ألا أدلك على أمر إن أنت أدركته نجاك الله تعالى منه وإن تركت ولدا من بعدك حفظهم الله تعالى فيك؟ قلت: بلى فتلا * (وليخش الذين) * الآية.
وفي وصف الذرية بالضعاف بعث على الترحم والظاهر أن من خلفهم ظرف لتركوا، وفي التصريح به مبالغة في تهويل تلك الحالة، وجوز أن يكون حالا من ذرية وضعافا كما قال أبو البقاء: يقرأ بالتفخيم على الأصل وبالإمالة لأجل الكسرة، وجاز ذلك مع حرف الاستعلاء لأنه مكسور مقدم ففيه انحدار، وكذلك * (خافوا) * يقرأ بالتفخيم على الأصل وبالإمالة لأن الخاء تنكسر في بعض الأحوال وهو خفت؛ وقرىء - ضعفاء، وضعافى وضعافي، نحو سكارى وسكارى.
* (فليتقوا الله) * في ذلك والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها وإنما أمرهم سبحانه بالتقوى التي هي غاية الخشية بعدما أمرهم بها مراعاة للمبدأ والمنتهى لما لم ينفع الأول بدون الثاني لم يقتصر عليه مع استلزامه له عادة * (وليقولوا) * لليتامى أو للمريض أو لحاضري القسمة، أو ليقولوا في الوصية * (قولا سديدا) * فيقول الوصي لليتيم ما يقول لولده من القول الجميل الهادي له إلى حسن الآداب ومحاسن الأفعال، ويقول عائد المريض ما يذكره التوبة والنطق بكلمة الشهادة وحسن الظن بالله، وما يصده عن الإشراف بالوصية وتضييع الورثة، ويقول الوارث لحاضر القسمة ما يزيل وحشته، أو يزيد مسرته ويقول الموصي في إيصائه ما لا يؤدي إلى تجاوز الثلث، والسديد - على ما قال الطبرسي - المصيب العدل الموافق للشرع، وقيل: ما لا خلل فيه، ويقال سد قوله يسد بالكسر إذا صار سديدا، وأنه ليسد في القول فهو مسد إذا كان يصيب السداد أي القصد، وأمر سديد وأسد أي قاصد، والسداد بالفتح الاستقامة والصواب، وكذلك السدد مقصور منه، وأما السداد بالكسر فالبلغة وما يسد به، ومنه قولهم: فيه سداد من عوز - قاله غير واحد - وفي " درة الغواص في أوهام الخواص " أنهم يقولون: سداد من عوز فيفتحون السين - وهو لحن - والصواب الكسر، وتعقبه ابن بري بأنه وهم فإن يعقوب بن السكيت سوى بين الفتح والكسر في " إصلاح المنطق " في باب فعال وفعال بمعنى واحد، فقال: يقال سداد من عوز وسداد، وكذا حكاه ابن قتيبة في " أدب الكاتب "؛ وكذا في " الصحاح " إلا أنه زاد والكسر أفصح، نعم ذكر فيها أن سداد القارورة وسداد الثغور بالكسر لا غير، وأنشد قول العرجي:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا * ليوم كريهة (وسداد) ثغر فليحفظ.
* (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) * استئناف جيء به لتقرير (مضمون) ما فصل من الأوامر والنواهي و * (ظلما) * إما حال أي ظالمين، أو مفعول لأجله وقيل: منصوب على المصدرية أي أكل ظلم على معنى أكلا على
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»