تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٩٩
والعقلاء ففي ذلك تنفير عنها وترغيب فيما عند الله تعالى، والمزين هو الله تعالى كما أخرجه ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وروي عن الحسن - الشيطان - والله زينها لهم لأنا لا نعلم أحدا أذم لها من خالقها، وفي " الانتصاف " التزيين للشهوات يطلق ويراد به خلق حبها في القلوب وهو بهذا المعنى مضاف إليه تعالى حقيقة لأنه لا خالق إلا هو، ويطلق ويراد به الحض على تعاطي الشهوات المحظورة فزيينها بالمعنى الثاني مضاف إلى الشيطان تنزيلا لوسوسته وتحسينه منزلة الأمر بها والحض على تعاطيها، وكلام الحسن رحمه الله تعالى محمول على التزين بالمعنى الثاني لا بالمعنى الأول فإنه يتحاشى أن ينسب خلق الله تعالى إلى غيره والإسناد في كل حقيقة كما أشرنا إليه فيما تقدم، ومن قال: الظاهر أنه من قبيل - أقدمني بلدك حق لي عليك - إذ لا إقدام هنا بل قدوم محض أثبت له مقدم للمبالغة، والمراد أن الشهوات زينت في أعينهم لنقصانهم ولا زينة لها في الحقيقة من غير أن يكون هناك مزين إلا أنه أثبت مزين مبالغة في الزينة وتنزيلا لسبب الزينة منزلة الفاعل فقد تعسف وتصلف، ومن قال: المزين في الحقيقة هو الشيطان لأن التزيين صفة تقوم به. والقائل بأنه هو الله تعالى لأنه الخالق للأفعال والدواعي مخطىء في الدعوى وغير مصيب في الدليل فالمخطىء ابن أخت خالته، وقرأ مجاهد - زين - بالبناء للفاعل ونصب * (حب) *.
* (من النساء والبنين) * في محل النصب على الحال من الشهوات وهي مفسرة لها في المعنى، وقيل: * (من) * لبيان الجنس وقدم النساء لعراقتهن في معنى الشهوة وهن حبائل الشيطان، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " ويقال: فيهن فتنتان قطع الرحم وجمع المال من الحلال والحرام، وثنى بالبنين لأنهم من ثمرات النساء في الفتن، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الولد مبخلة مجبنة " ويقال فيهم فتنة واحدة وهي جمع المال، ولم يتعرض لذكر البنات لعدم الاطراد في حبهن، وقيل: إن البنين تشملهن على سبيل التغليب * (والقناطير المقنطرة) * جمع قنطار وهو المال الكثير كما أخرجه ابن جرير عن الضحاك. وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القنطار إثنا عشر ألف أوقية " وأخرج الحاكم عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " القنطار ألف أوقية ". وفي رواية ابن أبي حاتم عنه القنطار ألف دينار. وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القنطار ألف أوقية ومائتا دينار " وعن معاذ ألف ومائتا أوقية، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اثنا عشر ألف درهم وألف دينار، وفي رواية أخرى عنه ألف ومائتا دينار ومن الفضة ألف ومائتا مثقال، وعن أبي سعيد الخدري ملء جلد الثور ذهبا، وعن مجاهد سبعون ألف دينار، وعن ابن المسيب ثمانون ألفا، وعن أبي صالح مائة رطل، وعن قتادة قال: كنا نحدث أن القنطار مائة رطل من الذهب أو ثمانون ألفا من الورق، وعن أبي جعفر خمسة عشر ألف مثقال والمثقال أربعة وعشرون قيراطا، وقيل: القنطار عند العرب وزن لا يحد، وقيل: ما بين السماء والأرض من مال وغير ذلك، ولعل الأولى كما قيل: ما روي عن الضحاك ويحمل التنصيص على المقدار المعين في هذه الأقوال على التمثيل لا التخصيص، والكثرة تختلف بحسب الاعتبارات والإضافات، واختلف في وزنه فقيل: فعلال، وقيل: فعنلان فالنون على الأول أصلية وعلى الثاني زائدة، ولفظ المقنطرة مأخوذ منه، ومن عادة العرب أن يصفوا الشيء بما يشتق منه للمبالغة - كظل ظليل - وهو كثير
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»