فقتل - كما قيل - من بني قريظة في يوم واحد ستمائة جمعهم في سوق بني قينقاع وأمر السياف بضرب أعناقه وأمر بحفر حفيرة ورميهم فيها وأجلى بني النضير وفتح خيبر وضرب الجزية عليهم - وهذا من أوضح شواهد النبوة - * (وتحشرون) * عطف على * (ستغلبون) * والمراد في الآخرة * (إلى جهنم) * وهي غاية حشرهم ومنتهاه - فإلى - على معناها المتبادر، وقيل: بمعنى - في - والمعنى أنهم يجمعون فيها، والآية كالتوكيد لما قبلها فإن الغلبة تحصل بعدم الانتفاع بالأموال والأولاد، والحشر إلى جهنم مبدأ كونهم وقودا لها، وقرأ أهل الكوفة غير عاصم - سيغلبون ويحشرون - بالباء، والباقون بالتاء، وفرق بين القراءتين بأن المعنى على تقدير تاء الخطاب أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم من عند نفسه بمضمون الكلام حتى لو كذبوا كان التكذيب راجعا إليه، وعلى تقدير ياء الغيبة أمره بأن يؤدي ما أخبر الله تعالى به من الحكم بأنه - سيغلبون - بحيث لو كذبوا كان التكذيب راجعا إلى الله تعالى، وقوله سبحانه: * (وبئس المهاد) * إما من تمام ما يقال لهم أو استئناف لتهويل جهنم وتفظيع حال أهلها، ومهاد - كفراش لفظا ومعنى، والمخصوص بالذم مقدر وهو جهنم، أو ما مهدوه لأنفسهم.
* (قد كان لكم ءاية في فئتين التقتا فئة تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشآء إن فى ذالك لعبرة لاولى الابصار) *.
* (قد كان لكم) * من تتمة القول المأمور به جيء به لتقرير مضمون ما قبله وتحقيقه والخطاب لليهود أيضا - واختاره شيخ الإسلام - وذهب إليه البلخي أي قد كان لكم أيها اليهود المغترون بعددهم وعددهم * (آية) * أي علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم أنكم - ستغلبون - * (في فئتين) * أي فرقتين أو جماعتين من الناس كانت المغلوبة منهما مدلة بكثرتها معجبة بعزتها فأصابها ما أصابها * (التقتا) * يوم بدر * (فئة تقاتل في سبيل الله) * فهي في أعلى درجات الإيمان ولم يقل مؤمنة مدحا لهم بما يليق بالمقام ورمزا إلى الاعتداد بقتالهم، وقرىء - يقاتل - على تأويل الفئة بالقوم أو الفريق * (وأخرى كافرة) * بالله تعالى فهي أبعد من أن تقاتل في سبيله وإنما لم توصف بما يقابل صفة الفئة الأولى إسقاطا لقتالهم عن درجة الاعتبار وإيذانا بأنه لم يتصدوا له لما عراهم من الهيبة الوجل، و * (كان) * ناقصة - وعليه جمهور المعربين و * (آية) * اسمها وترك التأنيث في الفعل لأن المرفوع غير حقيقي التأنيث ولأنه مفصول ولأن الآية والدليل بمعنى، وفي الخبر وجهان: أحدهما * (لكم) * و * (في فئتين) * نعت - لآية - والثاني أن الخبر هو هذا النعت و * (لكم) * متعلق ب * (- كان) * على رأي من يرى ذلك، وجوز أن يكون * (لكم) * في موضع نصب على الحال - وقد تقدم مرارا أن وصف النكرة إذا قدم عليها كان حالا - و (التقتا) في حيز الجر نعت - لفئتين - وفئة خبر لمحذوف أي إحداهما فئة وأخرى نعت لمقدر أي - وفيه أخرى - والجملة مستأنفة لتقرير ما في الفئتين من الآية، وقيل: فئة وما عطف عليها بدل من الضمير في * (التقتا) * وما بعدهما صفة فلا بد من ضمير محذوف عائد إلى المبدل منه مسوغ لوصف البدل بالجلة العارية عن ضمير أي فئة منهما تقاتل الخ، وجوز أن يكون كل من المتعاطفين مبتدأ وما بعدهما خبر أي فئة منهما تقاتل الخ، وفئه أخرى كافرة، وقيل: كل منهما مبتدأ محذوف الخبر أي منهما فئة الخ، وقرىء (وأخرى) كافرة - بالنصب فيهما وهو على المدح في الأولى والذم في الثاني، وقيل: على الاختصاص، واعترضه أبو حيان بأن المنصوب عليه لا يكون نكرة، وأجيب بأن القائل لم يعن الاختصاص المبوب له في النحو كما في " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " وإنما عنى النصب بإضمار فعل لائق وأهل البيان يسمون هذا النحو اختصاصا - كما قاله الحلبي -