وأخرج الحكيم الترمذيمن طريق عتبة بن عبد الله بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الإيمان بمنزلة القميص مرة تقمصه ومرة تنزعه " والروايات بمعنى ذلك كثيرة وهي تدل على جواز عروض الكفر بعد الإيمان بطرو الشك مثلا والعياذ بالله تعالى، وفي كلام الصحابة رضي الله تعالى عنهم أيضا ما يدل على ذلك فقد أخرج ابن سعد عن أبي عطاف أن أبا هريرة كان يقول أي رب لا أزنين أي رب لا أسرقن أي رب لا أكفرن قيل له: أو تخاف؟ قال: آمنت بمحرف القلوب ثلاثا، وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: " كان عبد الله بن رواحة إذا لقيني قال: اجلس يا عويمر فلنؤمن ساعة فنجلس فنذكر الله تعالى على ما يشاء ثم قال: يا عويمر هذه مجالس الإيمان إن مثل الإيمان ومثلك كمثل قميصك بينا أنا قد نزعته إذ لبسته وبينا أنت قد لبسته إذ نزعته يا عويمر للقلب أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا "، وعن أبي أيوب الأنصاري " ليأتين على الرجل أحايين وما في جلده موضع إبرة من النفاق وليأتين عليه أحايين وما في جلده موضع إبرة من إيمان ".
وادعى بعضهم أن هذا بالنسبة إلى الإيمان الغير الكامل وما رجع من رجع إلا من الطريق، وأما بعد حصول الإيمان الكامل والتصديق الجازم والعلم الثابت المطابق فلا يتصور رجعة وكفر أصلا لئلا يلزم انقلاب العلم جهلا وهو محال والتزم تأويل جميع ما يدل على ذلك، ولا يخفى أن هذا القول مما يكاد يجر إلى الأمن من مكر الله تعالى والتزام تأويل النصوص لشبهة اختلجت في الصدر هي أوهن من بيت العنكبوت في التحقيق مما لا يقدم عليه من له أدنى مسكة كما لا يخفى فتدبر، و * (بعد) * منصوب على الظرفية والعامل فيه * (تزغ) *، و * (إذ) * مضاف إليه وهي متصرفة كما ذكره أجلة النحوين، وأما القول بأنها بمعنى أن المصدرية المفتوحة الهمزة، والمعنى - بعد هدايتنا فمما ذكره الحوفي في " إعراب القرآن " ولم ير لغيره، والمذكور في النحو أنها تكون حرف تعليل فتؤل مع ما بعدها بالمصدر نحو * (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم) * (الزخرف: 39) أي لظلمكم فإن كان أخذ من هذا فهو كماترى، وقرىء - لا تزغ - بالياء والتاء ورفع (القلوب) * (وهب لنا من لدنك) * كلا الجارين متعلق - بهب - وتقديم الأول اعتناءا به وتشويقا إلى الثاني، ويجوز تعلق الثاني بمحذوف هو حال من المفعول أي كائنة من لدنك، و * (من) * لابتداء الغاية المجازية، و - لدن - ظرف، وهي لأول غاية زمان أو مكان أو غيرهما من الذوات نحو - من لدن زيد - وليست مرادفة لعند بل قد تكون بمعناها، وبعضهم يقيدها بظرف المكان وهي ملازمة للإضافة فلا تنفك عنها بحال، فتارة تضاف إلى المفرد، وتارة إلى الجملة الإسمية أو الفعلية وقلما تخلو عن (من)، وفيها لغتان، الإعراب - وهي لغة قيس - والبناء وهي اللغة المشهورة - وسببه شبهها بالحرف في لزوم استعمال واحد وامتناع الإخبار بها بخلاف - عند، ولدي - فإنهما لا يلزمان استعمالا واحدا إذ يكونان فضلة، وعمدة وغاية وغير غاية، قيل: ولقوة هذا الشبه لا تعرب إذا أضيفت في المشهور واللغتان المذكورتان من الإعراب والبناء مختصان - بلدن - المفتوحة اللام المضمومة الدال الواقع آخرها نون، وأما بقية لغاتها فإنها فيها مبنية عند جميع العرب وفيها لغات المشهورة منها ما تقدم - ولدن ولدن - بفتح الدال وكسرها - ولدن، ولدن - بفتح اللام وضمها مع سكون الدال - ولدن بفتح اللام وضم الدال وبإبدال الدال تاءا ساكنة ومتى أضيفت المحذوفة النون إلى ضمير وجب رد النون.
* (رحمة) * مفعول - لهب - وتنوينه للتفخيم، والمراد بالرحمة الإحسان والإنعام مطلقا، وقيل: الإنعام المخصوص وهو التوفيق للثبات على الحق، وفي سؤال ذلك بلفظ الهبة إشارة إلى أن ذلك منه تعالى تفضل محض من غير شائبة وجوب عليه عز شأنه وتأخير المفعول