تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٥٨
الشرط فيه عندهم الإسلام والعدالة، وإلى ذلك ذهب شريح وابن سيرين وأبو ثور وعثمان البتي وهو خلاف المروي عن علي كرم الله تعالى وجهه - فإنه لم يجوز شهادة العبد في شيء ولم تتعرض الآية لشهادة الكفار بعضهم على بعض، وأجاز ذلك قياسا الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وإن اختلفت مللهم.
* (فإن لم يكونا) * أي الشهيدان * (رجلين) * أي لم يقصد إشهادهما ولو كانا موجودين والحكم من قبيل نفي العموم لا عموم النفي وإلا لم يصح قوله تعالى: * (فرجل وامرأتان) * أي فإن لم يكونا رجلين مجتمعين فليشهد رجل وامرأتان، أو فرجل وامرأتان يشهدون أو يكفون، أو فالشاهد رجل وامرأتان أو فليستشهد رجل وامرأتان، أو فليكن رجل وامرأتان شهودا، وإن جعلت - يكن - تامة استغنى عن تقدير شهود، وكفاية الرجل والمرأتين في الشهادة فيما عدا الحدود والقصاص عندنا، وعند الشافعي في الأموال خاصة لا في غيرها كعقد النكاح، وقال مالك: لا تجوز شهادة أولئك في الحدود ولا القصاص ولا الولاء ولا الإحصان، وتجوز في الوكالة والوصية إذا لم يكن فيها عتق، وأما قبول شهادة النساء مفردات فقد قالوا به في الولادة والبكارة والاستهلال وما يجري مجرى ذلك مما بين في الكتب الفقهية، وقرىء - وامرأتان - بهمزة ساكنة، ولعل ذلك لاجتماع المتحركات * (ممن ترضون) * متعلق بمحذوف وقع صفة لرجل وامرأتان أي كائنون ممن ترضونهم والتصريح بذلك هنا مع تحقق اعتباره في كل شهيد لقلة اتصاف النساء به فلا يرد ما في " البحر " من أن جعله صفة للمذكور يشعر بانتفاء هذا الوصف عن شهيدين، وقيل: هو صفة لشهيدين - وضعف بالفصل الواقع بينهما، وقيل: بدل من - رجالكم - بتكرير العامل وضعف بالفصل أيضا، واختار أبو حيان تعلقه - باستشهدوا - ليكون قيدا في الجميع ويلزمه الفصل بين اشتراط المرأتين وتعليله - وهو كما ترى - والخطاب للمؤمنين، وقيل: للحكام ولم يقل من المرضيين لإفهامه اشتراط كونهم كذلك في نفس الأمر ولا طريق لنا إلى معرفته فإن لنا الظاهر والله تعالى يتولى السرائر * (من الشهداء) * متعلق بمحذوف على أنه حال من العائد المحذوف أي ممن ترضونهم حال كونهم كائنين بعض الشهداء لعلمكم بعدالتهم وإدراج النساء في الجمع بطريق التغليب.
* (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) * بيان لحكمة مشروعية الحكم واشتراط العدد في النساء أي شرع ذلك إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت إحداهما لما أن النسيان غالب على طبع النساء لكثرة الرطوبة في أمزجتهن، وقدرت الإرادة لما أن قيد الطلب يجب أن يكون فعلا للآمر وباعثا عليه وليس هو هنا إلا إرادة الله تعالى للقطع بأن الضلال والتذكير بعده ليس هو الباعث على الأمر بل إرادة ذلك، واعترض بأن النسيان وعدم الاهتداء للشهادة لا ينبغي أن يكون مراد الله تعالى بالإرادة الشرعية سيما وقد أمر بالاستشهاد، وأجيب بأن الإرادة لم تتعلق بالضلال نفسه أعني عدم الاهتداء للشهادة بل بالضلال المرتب عليه الإذكار، ومن قواعدهم أن القيد هو مصب الغرض فصار كأنه علق الإرادة بالإذكار المسبب عن الضلال والمرتب عليه فيؤول التعليل إلى ما ذكرنا، وهذا أولى مما ذهب إليه البعض في الجواب من أن المراد من الضلال الإذكار لأن الضلال سبب للإذكار فأطلق السبب وأريد المسبب لظهور أنه لا يبقى على ظاهره معنى لقوله تعالى: * (فتذكر) * قيل: والنكتة في إيثار * (أن تضل) * الخ على - أن تذكر إن ضلت - الإيماء إلى شدة الاهتمام بشأن الإذكار بحيث صار
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»