تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٦٩
العرفي للسمع * (وأطعنا) * وقبلنا عن طوع ما دعوتنا إليه في الأوامر والنوهي، وقيل: (سمعنا) ما جاءنا من الحق وتيقنا بصحته، و (أطعنا) ما فيه من الأمر والنهي * (غفرانك ربنا) * أي اغفر غفرانك ما ينقص حظوظنا لديك، أو نسألك غفرانك ذلك، فغفران مصدر إما مفعول مطلق أو مفعول به - ولعل الأول أولى - لما في الثاني من تقدير الفعل الخاص المحوج إلى اعتبار القرينة وتقديم ذكر السمع على الطاعة لتقدم العام على الخاص، أو لأن التكليف طريقه السمع والطاعة بعده وتقديم ذكرهما على طلب الغفران لما أن تقدم الوسيلة على المسؤول أقرب إلى الإجابة والقبول، والتعرض لعنوان الربوبية قد تقدم سره غير مرة * (وإليك المصير) * أي الرجوع بالموت والبعث وهو مصدر ميمي، والجملة قيل: معطوفة على مقدر أي فمنك المبدأ وإليك المصير وهي تذييل لما قبله مقرر للحاجة إلى المغفرة وفيها إقرار بالمعاد الذي لم يصرح به قبل.
* (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنآ إن نسينآ أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينآ إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنآ أنت مول‍انا فانصرنا على القوم الك‍افرين) *.
* (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * جملة مستأنفة سيقت إخبارا منه تعالى بعد تلقيهم لتكاليفه سبحانه بالطاعة والقبول بما له عليهم في ضمن التكليف من محاسن آثار الفضل والرحمة ابتداءا لا بعد السؤال كما سيجيء - والتكليف - إلزام ما فيه كلفة ومشقة، و - الوسع - ما تسعه قدرة الإنسان أو ما يسهل عليه من المقدور وهو ما دون مدى طاقته أي سنته تعالى أنه - لا يكلف نفسا - من النفوس إلا ما تطيق وإلا ما هو دون ذلك كما في سائر ما كلفنا به من الصلاة والصيام مثلا فإنه كلفنا خمس صلوات والطاقة تسع ستا وزيادة. وكلفنا صوم رمضان والطاقة تسع شعبان معه وفعل ذلك فضلا منه ورحمة بالعباد أو كرامة ومنه على هذه الأمة خاصة. وقرأ ابن أبي عبلة - وسعها - بفتح السين والآية على التفسيرين تدل على عدم وقوع التكليف بالمحال لا على امتناعه، أما على الأول: فظاهر، وأما على الثاني: فبطريق الأولى، وقيل: إنها على التفسير الثاني لا تدل على ذلك لأن الخطاب حينئذ مخصوص بهذه الأمة وعلى كل تقدير لا دليل فيها على امتناع التكليف بالمحال كما وهم وقد تقدم لك بعض ما يتعلق بهذا المبحث وربما يأتيك ما ينفعك فيه إن شاء الله تعالى.
* (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * جملة أخرى مستأنفة سيقت للترغيب والمحافظة على مواجب التكليف والتحذير عن الإخلال بها ببيان أن تكليف كل نفس مع مقارنته لنعمة التخفيف والتيسير يتضمن مراعاته منفعة زائدة وأنها تعود إليها لا إلى غيرها ويستتبع الإخلال بها مضرة تحيق بها لا بغيرها فإن اختصاص منفعة الفعل بفاعله من أقوى الدواعي إلى تحصيله واقتصار مضرته عليه من أشد الزواجر عن مباشرته - قاله المولى مفتي الديار الرومية قدس سره - وهو الذي ذهب إليه الكثير، وقيل: يجوز أن تجعل الجملتان في حيز القول ويكون ذلك حكاية للأقوال المتفرقة الغير المعطوفة بعضها على بعض للمؤمنين ويكون مدحا لهم بأنهم شكروا الله تعالى في تكليفه حيث يرونه بأنه لم يخرج عن وسعهم وبأنهم يرون أن الله تعالى لا ينتفع بعملهم الخير بل هو لهم ولا يتضرر بعملهم الشر بل هو عليهم - ولا يخفى أنه بعيد - من جهة - قريب من أخرى - والضمير في * (لها) * للنفس العامة والكلام على حذف مضاف هو ثواب في الأول وعقاب في الآخر، ومبين * (ما) * الأولى: الخير لدلالة اللازم الدالة على النفع عليه، ومبين * (ما) * الثانية: الشر لدلالة - على - الدالة على الضر عليه وإيراد الإكتساب في جانب الأخير لما فيه من زيادة المعنى وهو الاعتمال، والشر تشتهيه النفس وتنجذب إليه فكانت أجد في تحصيله،
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»