تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٥٩
ما هو مكروه كأنه مطلوب لأجله من حيث كونه مفضيا إليه، و (إحداهما) الثانية يجوز أن تكون فاعل - تذكر - وليس من وضع المظهر موضع المضمر إذ ليست المذكرة هي الناسية، ويجوز أن تكون مفعولا لتذكر - والأخرى - فاعل وليس من قبيل ضرب موسى عيسى - كما وهم - حتى يتعين الأول بل من قبيل - أرضعت الصغرى الكبرى - لأن سبق إحداهما بعنوان نسبة الضلال رافع للضلال والسبب في تقديم المفعول على الفاعل التنبيه على الاهتمام بتذكير الضال ولهذا - كما قيل - عدل عن الضمير إلى الظاهر لأن التقديم حينئذ لا ينبه على الاهتمام كما ينبه عليه تقديم المفعول الظاهر الذي لو أخر لم يلزم شيء سوى وضعه موضعه الأصلي، وذكر غير واحد أن العدول عن - فتذكرها - الأخرى - وهي قراءة ابن مسعود كما رواه الأعمش - إلى ما في النظم الكريم لتأكيد الإبهام والمبالغة في الاحتراز عن توهم اختصاص الضلال - بإحداهما - بعينها والتذكير بالأخرى، وأبعد الحسين بن علي المغربي في هذا المقام فجعل ضمير (إحداهما) الأولى راجعا إلى الشهادتين، وضمير (إحداهما) الأخرى إلى المرأتين فالمعنى - أن تضل إحدى الشهادتين أي تضيع بالنسيان فتذكر إحدى المرأتين الأخرى منهما - وأيده الطبرسي بأنه لا يسمى ناسي الشهادة ضالا وإنما يقال: ضلت الشهادة إذا ضاعت كما قال سبحانه: * (ضلوا عنا) * (الأعراف: 37) أي ضاعوا منا، وعليه يكون الكلام عاريا عن شائبة توهم الإضمار في مقام الإظهار رأسا وليس بشيء إذ لا يكون لإحداهما أخرى في الكلام مع حصول التفكيك وعدم الانتظام، وما ذكر في التأييد ينبىء عن قلة الاطلاع على اللغة. ففي " نهاية ابن الأثير " وغيرها إطلاق الضال على الناسي، وقد روي ذلك في الآية عن سعيد بن جبير والضحاك والربيع والسدي وغيرهم، ويقرب هذا في الغرابة مما قيل: إنه من بدع التفسير وهو ما حكي عن ابن عيينة أن معنى * (فتذكر) * الخ فتجعل إحداهما الأخرى ذكرا يعني أنهما إذا اجتمعتا كانتا بمنزلة الذكر فإن فيه قصورا من جهة المعنى واللفظ لأن التذكير في مقابلة النسيان معنى مكشوف وغرض بين، ورعاية العدد لأن النسوة محل النسيان كذلك ولأن جعلها ذكرا مجازا عن إقامتها مقام الذكر ثم تجوز ثانيا لأنهما القائمتان مقامه فلم تجعل إحداهما الأخرى قائمة مقامه - وبعد التجوز ليس على ظاهره - لأن الاحتياج إلى اقتران ذكر ألبتة معهما.
وقوله سبحانه: * (فإن لم يكونا رجلين) * ينبئان عن قصورهما عن ذلك أيضا - والتزام توجيه مثل ذلك، وعرضه في سوق القبول - لا يعد فضلا بل هو عند أرباب الذوق عين الفضول، ولقد رأيت في " طراز المجالس " أن الخفاجي سأل قاضي القضاة شهاب الدين الغزنوي عن سر تكرار - إحدى - معرضا بما ذكره المغربي فقال: يا رأس أهل العلوم السادة البرره * ومن نداه على كل الورى نشره ما سر تكرار - إحدى - دون تذكرها * في آية لذوي الأشهاد في البقره وظاهر الحال إيجاز الضمير على * تكرار (إحداهما) لو أنه ذكره وحمل الإحدى على نفس الشهادة في * أولاهما ليس مرضيا لدى المهره فغص بفكرك لاستخراج جوهره * من بحر علمك ثم ابعث لنا درره فأجاب القاضي يا من فوائده بالعلم منتشره * ومن فضائله في الكون مشتهره يا من تفرد في كشف العلوم لقد * وافى سؤالك والأسرار مستتره
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»