تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٩١
خرج فلأن يقص أثر فلان أي يتتبعه ليعرف أين ذهب، ومنه قوله تعالى: * (وقالت لأخته قصيه) * (القصص: 11) أي تتبعي أثره، وكذلك القاص في الكلام لأنه يتتبع خبرا بعد خبر، أو يتتبع المعاني ليوردها، وهو هنا فعل بمعنى مفعول أي المقصوص الحق، وقرىء * (لهو) * بسكون الواو * (وما من آله إلا الله) * رد النصارى في تثليثهم، وكذا فيه رد على سائر الثنوية، و * (من) * زائدة للتأكيد كما هو شأن الصلات، وقد فهم أهل اللسان - كما قال الشهاب - أنها لتأكيد الاستغراق المفهوم من النكرة المنفية لاختصاصها بذلك في الأكثر، وقد توقف محب الدين في وجه إفادة الكلمات المزيدة للتأكيد بأي طريق هي فإنها ليست وضعية، وأجاب بأنها ذوقية يعرفها أهل اللسان، واعترض بأن هذا حوالة على مجهول فلا تفيد، فالأولى أن يقال: إنها وضعية لكنه من باب الوضع النوعي فتدبر * (وإن الله لهو العزيز) * أي الغالب غلبة تامة، أو القادر قدرة كذلك، أو الذي لا نظير له * (الحكيم) * أي المتقن فيما صنع، أو المحيط بالمعلومات، والجملة تذييل لما قبلها، والمقصود منها أيضا قصر الإلهية عليه تعالى ردا على النصارى أي قصر إفراد فالفصل والتعريف هنا كالفصل والتعريف هناك فما قيل: إنهما ليسا للحصر إذ الغالب على الأغيار لا يكون إلا واحدا فيلغو القصر فيه إلا أن يجعل قصر قلب، والمقام لا يلائمه مما لا عصام له كما لا يخفى.
* (فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين) *.
* (فإن تولوا) * أي أعرضوا عن اتباعك وتصديقك بعد هذه الآيات البينات، وهذا على تقدير أن يكون الفعل ماضيا، ويحتمل أن يكون مضارعا وحذفت منه إحدى التاءين تخفيفا، وأصله تتولوا * (فإن الله عليم بالمفسدين) * أي بهم أو بكم، والجملة جواب الشرط في الظاهر لكن المعنى على ما يترتب على علمه * (بالمفسدين) * من معاقبته لهم، فالكلام للوعيد ووضع الظاهر موضع الضمير تنبيها على العلة المقتضية للجزاء والعقاب وهي الإفساد، وقيل: المعنى على أن الله عليم بهؤلاء المجادلين بغير حق وبأنهم لا يقدمون على مباهلتك لمعرفتهم نبوتك وثبوت رسالتك، والجملة على هذا أيضا عند التحقيق قائمة مقام الجواب إلى أنه ليس الجزاء والعقاب، والكلام منساق لتسليته صلى الله عليه وسلم ولا يخفى ما فيه.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (فلما أحس) * أي شاهد عيسى بواسطة النور الإلهي المشرق عليه * (منهم الكفر) * أي ظلمته، أو نفسه فإن المعاني تظهر للكمل على صور مختلفة بختلافها فيرونها. وحكي عن الباز قدس سره أنه قال: إن الليل والنهار يأتياني فيخبراني بما يحدث فيهما، وعن بعض العارفين أنه يشاهد أعمال العباد كيف تصعد إلى السماء ويرى البلاء النازل منها * (قال من أنصاري) * في حال دعوتي * (إلى الله) * سبحانه بأن يلتفت إلى الاشتغال بتكميل نفسه وتهذيب أخلاقها حتى يصلح لتربية الناقصين فينصرني ويعينني في تكميل الناقص وإرشاد الضال * (قال الحواريون) * المبيضون ثياب وجودهم بمياه العبادة ومطرقة المجاهدة وشمس المراقبة * (نحن أنصار الله) * أي أعوان الفانين فيه الباقين به ومنهم عيسى عليه السلام * (آمنا بالله) * الإيمان الكامل * (واشهد بأنا مسلمون) * (آل عمران: 52) أي مناقدون لأمرك حيث إنه أمر الله سبحانه * (ربنا آمنا بما أنزلت) * وهو ما نورت به قلوب أصفيائك من علوم غيبك * (واتبعنا الرسول) * فيما أظهر من أوامرك ونواهيك رجاء أن يوصلنا ذلك إلى محبتك * (فاكتبنا مع الشاهدين) * (آل عمران: 53) أي مع من يشهدك ولا يشهد معك سواك، أو الحاضرين لك المراقبين لأمرك * (ومكروا) * أي الذين أحس منهم الكفر واحتالوا مع أهل الله بتدبير النفس فكان مكرهم مكر الحق عليهم لأنه المزين ذلك لهم كما قال سبحانه: * (كذلك زينا لكل أمة عملهم) * (الأنعام: 108) فهو الماكر
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»