تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٤
الإخلاص - قاله ابن عباس - أو الاعتقاد الحق أو السبب الموصل إلى رضا الله تعالى أو العهد، وعلى كل تقدير يجوز أن يكون في العروة استعارة تصريحية واستمسك ترشيح لها أو استعارة أخرى تبعية، ويجوز أن يجعل الكلام تمثيلا مبنيا على تشبيه الهيئة العقلية المنتزعة من ملازمة الحق الذي لا يحتمل النقيض بوجه أصلا لثبوته بالبراهين النيرة القطعية بالهيئة الحسية المنتزعة من التمسك بالحبل المحكم المأمون انقطاعه من غير تعرض للمفردات، واختار ذلك بعض المحققين ولا يخلو عن حسن، وجعل العروة مستعارة للنظر الصحيح المؤدي للاعتقاد الحق - كما قيل - ليس بالحسن لأن ذلك غير مذكور في حيز الشرط أصلا * (لا انفصام لها) * أي لا انقطاع لها؛ والانفصام والانقصام لغتان وبالفاء أفصح - كما قال الفراء - وفرق بعضهم بينهما بأن الأول: انكسار بغير بينونة، والثاني: انكسار بها وحينئذ يكون انتفاء الثاني معلوما من نفي الأول بالأولوية، والجملة إما مستأنفة لتقرير ما قبلها من وثاقة العروة وإما حال من العروة، والعامل (استمسك) أو من الضمير المستكن في (الوثقى) لأنها للتفضيل تأنيث الأوثق، و * (لها) * في موضع الخبر * (والله سميع) * بالأقوال * (عليم) * بالعزائم والعقائد، والجملة تذييل حامل على الإيمان رادع عن الكفر والنفاق لما فيها من الوعد والوعيد، قيل: وفيها أيضا إشارة إلى أنه لا بد في الإيمان من الاعتقاد والإقرار.
* (الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليآؤهم الطغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب ا النار هم فيها خالدون) *.
* (الله ولي الذين ءامنوا) * أي معينهم أو محبهم أو متولي أمورهم والمراد بهم من أراد الإيمان أو ثبت في علمه تعالى إيمانه أو آمن بالفعل * (يخرجهم) * بهدايته وتوفيقه وهو تفسير للولاية أو خبر ثان عند من يجوز كونه جملة أو حال من الضمير في * (ولي) *. * (من الظلم‍ات) * التابعة للكفر أو ظلمات المعاصي أو الشبه كيف كانت. * (إلى النور) * أي نور الإيمان أو نور الطاعات أو نور الإيقان بمراتبه، وعن الحسن أنه فسر الإخراج هنا بالمنع فالمعنى يمنعهم عن أن يدخلوا في شيء من الظلمات واقتصر الواقدي في تفسير الظلمات، والنور - على ذكر الكفر والإيمان وحمل كل ما في القرآن على ذلك سوى ما في الأنعام (1) من قوله تعالى: * (وجعل الظلمات والنور) * فإن المراد بهما هناك الليل والنهار، والأولى أن يحمل الظلمات على المعنى الذي يعم سائر أنواعها ويحمل النور أيضا على ما يعم سائر أنواعه، ويجعل في مقابلة كل ظلمة مخرج منها نور مخرج إليه حتى إنه سبحانه ليخرج من شاء من ظلمة الدليل إلى نور العيان، ومن ظلمة الوحشة إلى نور الوصلة ، ومن ظلمة عالم الأشباح إلى نور عالم الأرواح إلى غير ذلك " مما لا، ولا " وأفرد النور لوحدة الحق كما أن جمع الظلمات لتعدد فنون الضلال، أو أن الأول: إيماء إلى القلة والثاني: إلى الكثرة.
* (والذين كفروا) * أي أرادوا الكفر أو ثبت كفرهم في علمه سبحانه أو كفروا بالفعل * (أولياؤهم) * حقيقة أو فيما عندهم * (الط‍اغوت) * أي الشياطين أو الأصنام أو سائر المضلين عن طرق الحق، والموصول مبتدأ أول، و (أولياؤهم) مبتدأ ثان، و (الطاغوت) خبره، والجملة خبر الأول والجملة الحاصلة معطوفة على ما قبلها، قيل: ولعل تغيير السبك للاحتراز عن وضع الطاغوت في مقابلة الاسم الجليل ولقصد المبالغة بتكرير الإسناد مع الإيماء إلى التباين بين الفريقين من كل وجه حتى من جهة التعبير أيضا، وقرىء (الطواغيت) على الجمع وصح جمعه على القول بأنه مصدر لأنه صار اسما لما يعبد من دون الله تعالى: * (يخرجونهم) * بالوساوس وإلقاء الشبه أو بكونهم بحالة جرت اعتقادهم فيهم النفع والضر وأنهم يقربونهم إلى الله تعالى زلفى، والتعبير
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»