ورد بأنه أبلغ لأنه يود البعد بينه وبين اليوم مع ما فيه من الخير لئلا يرى ما فيه من السوء، و - الأمد - غاية الشيء ومنتهاه، والفرق بينه وبين الأبد أن الأبد مدة من الزمان غير محدودة، والأمد مدة لها حد مجهول والمراد هنا الغاية الطويلة، وقيل: مقدار العمر، وقيل: قدر ما يذهب به من المشرق إلى المغرب، وذهب بعضهم إلى أن المراد بالأمد البعيد المسافة البعيدة - ولعله الأظهر -، فالتمني هنا من قبيل التمني في قوله تعالى: * (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين) * (الزخرف: 38) وهذا الذي ذكر في نظم الآية هو ما ذهب إليه كثير من أئمة التفسير، وقال أبو حيان: إنه الظاهر في بادىء الرأي مبني على أمر اختلف النحاة في جوازه وهو كون الفاعل ضميرا عائدا على ما اتصل به معمول الفعل المتقدم نحو غلام هند ضربت هي، والآية من هذا القبيل على ذلك التخريج لأن الفاعل بيود عائد على شيء اتصل بمعمول - يود - وهو يوم لأنه مضاف إلى تجد كل نفس، والتقدير: تود كل نفس يوم وجدانها ما عملت من خير وشر محضرا لو أن بينها الخ؛ وجمهور البصريين على جواز ذلك وهو الصحيح، ومنه قوله: - أجل المرء يستحث - ولا يد * ري - إذا يبتغي حصول الأماني - أي المرء في وقت ابتغائه حصول الأماني يستحث أجله ولا يدري، والفراء والأخفش وغيره من البصريين على عدم الجواز لأن هذا المعمول فضلة فيجوز الاستغناء عنه، وعود الضمير على ما اتصل به يخرجه عن ذلك لأنه يلزم ذكر المعمول ليعود الضمير الفاعل على ما اتصل به ولا يخفى وهنه وفي الآية أوجه أخر: منها أن ناصب الظرف * (قدير) * (آل عمران: 29)، ولا يرد عليه تقييد قدرته سبحانه بذلك اليوم لأنه إذ قدر في مثله علم قدرته في غيره بالطريق الأولى، ومنها أنه منصوب بالمصير أو بالذكر أو بيحذركم مقدرا فيكون مفعولا به أو بالعقاب المضاف الذي أشعر به كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وصرحوا بأنه على تقدير تعلقه بنحو - اذكروا - يجوز في * (ما عملت) * أن يكون مبتدأ خبره جملة * (تود) * وأن يكون معطوفا على * (ما) * الأولى، وجملة * (تود) * إما مستأنفة جوابا لسؤال مقدر كأن سائلا قال حين أمروا بذكر ذلك اليوم: فماذا يكون إذ ذاك؟ فقيل: * (تود لو أن بينها) * الخ، أو حال من فاعل * (تجد) * أي - اذكروا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير وشر محضرا وادت تباعد ما بينها وبينه - وجوز أن يكون حالا من ضمير * (عملت) * لقربه، واعترض بأن - الوداد - إنما هو وقت وجدان العمل حاضرا في الآخرة لا وقت العمل في الدنيا، والحالية من ضمير * (عملت) * تقتضيه فلا وجه لها، وأجيب بأنها حال مقدرة على معنى: يوم تجد كل نفس كذا مقدرا وداده - أي حال كونه ثابتا في قدرنا وداده - فالوداد وإن لم يكن مقارنا للعمل إلا أن كون الوداد ثابتا في قدر الله تعالى وقضائه مقارن له، وهذا مثل ما قيل في قوله تعالى: * (وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين) * (لاصافات: 112)، واعترض أيضا بأنه على تقدير الحالية من ضمير * (عملت) * يلزم تخصيص العمل والمقام لا يناسب، وأجيب بأنه ليس القصد التخصيص بل بيان سوء حالهم وحسرتهم ولا بأس به، وجوز أيضا أبو البقاء أن تكون (ما) في * (ما عملت من سوء) * شرطية - وإلى ذلك مال السفاقسي - ورفع * (تود) * ليس بمانع لأنه إذا كان الشرط ماضيا والجزاء مضارعا جاز في الجزاء الرفع والجزم من غير تفرقة بين إن الشرطية وأسماء الشرط، واعترض بأن رفع المضارع في الجزاء شاذ كرفعه في الشرط كما نص عليه المبرد وشهد به الاستعمال حيث لم يوجد إلا في قول زهير: (وإن) أتاه خليل يوم مسغبة * يقول لا غائب مالي ولا حرم
(١٢٧)