تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١١١
أحكم بكتابكم الرجم فجيء بالتوراة فوضع حبرهم ابن صوريا يده على آية الرجم فقال عبد الله بن سلام: جاوزها يا رسول الله فأظهرها فرجما فغضبت اليهود فنزلت " وهو المروي عن ابن جريج - وحكي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أيضا - وذهب الحسن وقتادة إلى أن المراد بكتاب الله تعالى القرآن دعوا إليه لأن ما فيه موافق لما في التوراة من أصول الديانة وأركان الشريعة والصفة التي تقدمت البشارة بها أو لأنهم لا يشكون في أنه كتاب الله تعالى المنزل على خاتم رسله * (ليحكم بينهم) * قيل: أي ليفصل الحق من الباطل بين الذين أوتوا - وهم اليهود - وبين الداعي لهم - وهو النبي صلى الله عليه وسلم في أمر إبراهيم عليه السلام، أو في حكم الرجم، أو في شأن الإسلام، أو بين من أسلم منهم ومن لم يسلم حيث وقع بينهم اختلاف في الدين الحق، وعلى هذا - وهو المرضي عند البعض وإن لم يوافق سبب النزول - وربما أحوج إلى ارتكاب مجاز في مرجع الضمير لا يتعين أن يكون الداعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرىء * (ليحكم) * على البناء للمفعول ونسب ذلك إلى أبي حنيفة.
* (ثم يتولى فريق منهم) * عطف على (يدعون)، و * (ثم) * للتراخي الرتبي، وفيه استبعاد توليهم بعد علمهم بوجوب الرجوع إليه، و * (منهم) * صفة لفريق، ولعل المراد بهذا الفريق أكثرهم علما ليعلم تولي سائرهم من باب الأولى قيل: وهذا سبب العدول عن - ثم يتولون - وقيل: الذين لم يسلموا، ووجه العدول عليه ظاهر فتدبر * (وهم معرضون) * جوز أن يكون صفة معطوفة على الصفة قبلها فالواو للعطف، وأن تكون في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في * (منهم) * أو من * (فريق) * لتخصيصه بالصفة فالواو حينئذ للحال وهي إما مؤكدة لأن التولي والإعراض بمعنى، وإما مبينة لاختلاف متعلقيهما بناءا على ما قيل: إن التولي عن الداعي والإعراض عن المدعو إليه أو التولي بالبدن والإعراض بالقلب، أو الأول كان من العلماء. والثاني: من أتباعهم، وجوز أن لا يكون لها محل من الإعراب بأن تكون تذييلا أو معترضة، والمراد وهم قوم ديدنهم الإعراض، وبعضهم فسر الجملة بهذا مع اعتبار الحالية ولعله رأي أنه لا يمنع عنها.
* (ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون) *.
* (ذالك) * أي المذكور من التولي والإعراض وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: * (بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات) * أي حاصل لهم بسبب هذا القول الذي رسخ اعتقادهم له وهونوا به الخطوب ولم يبالوا معه بارتكاب المعاصي والذنوب، والمراد - بالأيام المعدودات - أيام عبادتهم العجل، وجاء هنا * (معدودات) * بصيغة الجمع دون ما في البقرة (80) فإنه * (معدودة) * بصيغة المفرد تفننا في التعبير، وذلك لأن جمع التكسير لغير العاقل يجوز أن يعامل معاملة الواحدة المؤنثة تارة ومعاملة جمع الإناث أخرى فيقال: هذه جبال راسية، وإن شئت قلت راسيات، وجمال ماشية وإن شئت ماشيات، وخص الجمع هنا لما فيه من الدلالة على القلة كموصوفه وذلك أليق بمقام التعجيب والتشنيع * (وغرهم في دينهم) * أي أطمعهم في غير مطمع وخدعهم * (ما كانوا يفترون) * أي افتراؤهم وكذبهم أو الذي كانوا يفترونه من قولهم: * (لن تمسنا النار) * الخ - قاله مجاهد - أو من قولهم: * (نحن أبناء الله وأحباؤه) * (المائدة: 18) - قاله قتادة - أو مما يشمل ذلك ونحوه من قولهم: " إن آباءنا الأنبياء يشفعون لنا وإن الله تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أبناءه إلا تحلة القسم " والظرف متعلق - بما عنده - أو - بيفترون - واعترضه الخطيب بأن ما بعد الموصول لا يعمل فيما قبله؛ وأجيب بالتوسع.
* (فكيف إذا جمعن‍اهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) *.
* (فكيف) * استعظام وتهويل وهدم لما استندوا إليه، وكلمة الاستفهام
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»