عنه وإن كان المقرض في اللفظ إلا أنه في المعنى الإقراض فكأنه قيل: أيقرض الله تعالى أحد فيضاعفه وهذا ما اختاره أبو البقاء ولم يجوز أن يكون جواب الاستفهام في اللفظ لأن المستفهم عنه فيه المقرض لا القرض ولا عطفه على المصدر الذي هو قرضا كما يعطف الفعل على المصدر بإضمار إن لأمرين - على ما قيل - الأول: أن (قرضا) هنا مصدر مؤكد وهو لا يقدر بأن والفعل، والثاني: إن عطفه عليه يوجب أن يكون معمولا ليقرض، ولا يصح هذا لأن المضاعفة ليست مقروضة، وإنما هي فعل من الله تعالى وفيه تأمل، وقرأ ابن كثير (يضعفه) بالرفع والتشديد، ويعقوب وابن عامر (يضعفه) بالنصب.
* (أضعافا) * جمع ضعف وهو مثل الشيء في المقدار إذا زيد عليه فليس بمصدر والمصدر الإضعاف أو المضاعفة فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الهاء في * (يضاعفه) * وأن يكون مفعولا ثانيا على المعنى بأن تضمن المضاعفة معنى التصيير، وجوز أن يعتبر واقعا موقع المصدر فينتصب على المصدرية حينئذ، وإنما جمع والمصادر لا تثنى ولا تجمع لأنها موضوعة للحقيقة من حيث هي لقصد الأنواع المختلفة، والمراد به أيضا إذ ذاك الحقيقة لكنها تقصد من حيث وجودها في ضمن أنواعها الداخلة تحتها * (كثيرة) * لا يعلم قدرها إلا الله تعالى، وأخرج الإمام أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي قال: بلغني عن أبي هريرة أنه قال: إن الله تعالى ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة فحججت ذلك العام ولم أكن أريد أن أحج إلا للقائه في هذا الحديث فلقيت أبا هريرة فقلت له: فقال: ليس هذا قلت ولم يحفظ الذي حدثك إنما قلت إن الله تعالى ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة ثم قال أبو هريرة: أو ليس تجدون هذا في كتاب الله تعالى: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) *؟ فالكثيرة عنده تعالى أكثر من ألفي ألف وألفي والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله تعالى يضاعف الحسنة ألفي ألفي حسنة ".
* (والله يقبض ويبسط) * أي يقتر على بعض ويوسع على بعض أو يقتر تارة ويوسع أخرى حسبما تقتضيه الحكمة التي قد دق سرها وجل قدرها وإذا علمتم أنه هو القابض والباسط وأن ما عندكم إنما هو من بسطه وعطائه فلا تبخلوا عليه فأقرضوه وأنفقوا مما وسع عليكم بدل توسعته وإعطائه ولا تعكسوا بأن تبخلوا بدل ذلك فيعاملكم مثل معاملتكم في التعكيس بأن يقبض ويقتر عليكم من بعد ما وسع عليكم وأقدركم على الانفاق، وعن قتادة، والأصم، والزجاج أن المعنى يقبض الصدقات، ويبسط الجزاء عليها فالكلام كالتأكيد والتقرير لما قبله ووجه تأخير البسط عليه ظاهر، ووجه تأخيره على الأول الإيماء إلى أنه يعقب القبض في الوجود تسلية للفقراء، وقرىء * (يبصط) *. * (وإليه ترجعون) * فيجازيكم على حسب ما قدمتم.
ومن باب الإشارة: إن الصلوات خمس، صلاة السر بشهوده مقام الغيب، وصلاة النفس بخمودها عن دواعي الريب، وصلاة القلب بمراقبته أنوار الكشف، وصلاة الروح بمشاهدة الوصل، وصلاة البدن بحفظ الحواس وإقامة الحدود، فالمعنى حافظوا على هذه الصلوات الخمس، والصلاة الوسطى التي هي صلاة القلب التي شرطها الطهارة عن الميل إلى السوى وحقيقتها التوجه إلى المولى ولهذا تبطل بالخطرات والانحراف عن كعبة الذات * (وقوموا لله) * بالتوجه إليه * (قانتين) * (البقرة: 238) أي مطيعين له ظاهرا وباطنا بدفع الخواطر * (فإن خفتم) * صدمات الجلال حال سفركم إلى الله تعالى فصلوا راجلين في بيداء