فهو في المعنى اللغوي مجاز في كلام الشارع والأصل في الإطلاق الحقيقة، وأيضا ورد في عطف الأعمال على الإيمان كقوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * (البقرة: 277) والجزء لا يعطف على كله * (وتنزل الملائكة والروح) * (القدر: 4) على أحد الوجهين بتأويل الخروج لاعتبار خطابي وتخصيصها بالنوافل بناء على خروجها خلاف الظاهر وكفى بالظاهر حجة، وأيضا جعل الإيمان شرط صحة الأعمال كقوله تعالى: * (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن) * طه: 112) مع القطع بأن المشروط لا يدخل في الشرط لامتناع اشتراط الشيء لنفسه إذ جزء الشرط شرط، وأيضا ورد إثبات الإيمان لمن ترك بعض الأعمال كما في قوله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * (الحجرات: 9) مع أنه لا يتحقق للشيء بدون ركنه، وأيضا ما ذكرناه أقرب إلى الأصل إذ لا فرق بينهما إلا باعتبار خصوص المتعلق كما لا يخفى، وقد أورد الخصم وجوها في الالزام، الأول: أن الإيمان لو كان عبارة عن التصديق لما اختلف مع أن إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يشبهه إيمان العوام بل ولا الخواص، الثاني: أن الفسوق يناقض الإيمان ولا يجامعه، بنص * (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق) * (الحجرات: 7) ولو كان بمعنى التصديق لما امتنع مجامعته، الثالث: أن فعل الكبيرة مما ينافيه لقوله تعالى: * (وكان بالمؤمنين رحيما) * (الأحزاب: 43) مع قوله تعالى في المرتكب: * (ولا تأخذكم بهما رأفة) * (النور: 2) ولو كان بمعنى التصديق ما نافاه، الرابع: أن المؤمن غير مخزي لقوله تعالى: * (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * (التحريم: 8) وقال سبحانه في قطاع الطريق: * (ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) * (المائدة: 33) فهم ليسوا بمؤمنين مع أنهم مصدقون. الخامس: مستطيع الحج إذا تركه من غير عذر كافر لقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) * (آل عمران: 97) مع أنه مصدق، السادس: من لم يحكم بما أنزل الله مصدق مع أنه كافر بنص * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * (المائدة: 44) السابع: أن الزاني كذلك بنص قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني وهو مؤمن " وكذا تارك الصلاة عمدا من غير عذر وأمثال ذلك، الثامن: أن المستخف بنبي مثلا مصدق مع أنه كافر بالإجماع. التاسع: أن فعل الواجبات هو الدين لقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) * (البنيه: 5) والدين هو الإسلام لقوله تعالى: * (إن الدين عند الله الإسلام) * (آل عمران: 9) والإسلام هو الإيمان لأنه لو كان غير لما قبل من مبتغيه لقوله سبحانه: * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) * (آل عمران: 85) العاشر: أنه لو كان هو التصديق لما صح وصف المكلف به حقيقة إلا وقت صدوره منه كما في سائر الأفعال مع أن النائم والغافل يوصفان به إجماعا مع أن التصديق غير باق فيهما، الحادي عشر: أنه يلزم أن يقال لمن صدق بآلهية غير الله سبحانه مؤمن وهو خلاف الاجماع، الثاني عشر: أن الله تعالى وصف بعض المؤمنين به عز وجل بكونه مشركا فقال: * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * (يوسف: 106) ولو كان هو التصديق لامتنع مجامعته للشرك، سلمنا أنه هو ولكن ما المانع أن يكون هو التصديق باللسان كما قاله الكرامية كيف وأهل اللغة لا يفهمون من التصديق غير التصديق باللسان؟ وأجيب عن الأول بأن التصديق الواحد وإن سلمنا عدم الزيادة والنقصان فيه من النبي والواحد منا إلا أنه لا يمتنع التفاوت بين الإيمانين بسبب تخلل الفعلة والقوة بين أعداد الإيمان المتجددة وقلة تخللها أو بسبب عروض الشبه والتشكيكات وعدم عروضها، وللنبي الأكمل الأكمل صلى الله عليه وسلم.
وللزنبور والبازي جميعا * لدى الطيران أجنحة وخفق ولكن بين ما يصطاد باز * وما يصطاده الزنبور فرق وعن الثاني بأن الآية ليس فيها ما يدل على أن الفسوق لا يجامع الإيمان فإنه لو قيل حبب إليكم العلم وكره إليكم