تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٤٩
التسمية حثا للعباد على فعل ذلك وهو المناسب للتعليم وذهب النحويون إلى تقديره عاما نحو أبتدىء وأيد بوجوه:
منها: أن فعل الابتداء يصح تقديره في كل تسمية دون فعل القراءة وتقدير العام أولى ألا تراهم يقدرون متعلق الجار الواقع خبرا أو صفة أو حالا أو صلة بالكون والاستقرار حيثما وقع ويؤثرونه لعموم صحة تقديره.
ومنها: أنه مستقل بالغرض من التسمية وهو وقوعها مبتدأ فتقديره أوقع بالمحل، وأنت إذا قدرت اقرأ قدرت أبتدىء بالقراءة لأن الواقع في أثنائها قراءة أيضا والبسملة غير مشروعة فيه ومنها: ظهور فعل الابتداء في قوله صلى الله عليه وسلم: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع "، وأما ظهور القراءة في قوله تعالى: * (اقرأ باسم ربك) * (العلق: 1) فلأن الأهم ثم هو القراءة غير منظور فيه إلى ابتدائها ولذا قدم الفعل ولا كذلك في التسمية.
وما ذهب إليه الإمام أمس وأخص بالمقصود وأتم شمولا فإنه يقتضي أن القراءة واقعة بكمالها مقرونة بالتسمية مستعانا باسم الله تعالى عليها كلها بخلاف تقدير أبتدىء إذ لا تعرض له لذلك، وما ذكر أولا من الاستشهاد بتقدير النحاة الكون والاستقرار فليس بجيد لأنهم فعلوه تمثيلا حيث لا يقصدون عاملا بعينه بل يريدون الكلام على العامل من حيث هو فهو كتمثيلهم بزيد وعمرو لا لخصوصيتهما بل ليقع الكلام على مثال فيكون أقرب إلى الفهم ولا يقال إذا أبهم الفاعل يقدر بهما على أن الابتداء هنا ليس أعم من القراءة لأن المراد به ابتداء القراءة وهو أخص من القراءة لصدقها على قراءة الأول والوسط والآخر، واختصاص ابتداء القراءة بالأول فليس هذا هو الكون والاستقرار الذي قدرهما النحاة فيما تقدم، ودعوى عموم أبتدىء باعتبار أنه منزل منزلة اللازم لكنه يعلم بقرينة المقام أن المبتدأ به هو القراءة أو باعتبار أصل العامل في الجميع لا يخفى فسادها فإنه إذا دل المقام على إرادته فما معنى تنزيله منزلة اللازم حينئذ وكونه باعتبار اللفظ والأصل لا يدفع السؤال في الحال فافهم وأما ما ذكر ثانيا: من أن فعل البداءة مستقل بالغرض فغير مسلم وقد قدمنا أن القراءة أمس وأشمل والوقوع في الابتداء بالبداية فعلا لا بإضمار الابتداء فمتى ابتدأ بالبسملة حصل له المقصود غير مفتقر إلى شيء كمن صلى فبدأ بتكبيرة الإحرام لا يحتاج في كونه بادئا إلى الإضمار لكنه مفتقر إلى بركتها وشمولها لجميع ما فعله، ومن هذا يظهر ما في باقي الكلام من الوهن وأما ما ذكر ثالثا: ففيه أن كون التسمية مبتدأ بها حاصل بالفعل لا بإضمار الفعل ولم يرد الحديث بأن كل أمر ذي بال لم يقل أو لم يضمر فيه أبدأ ببسم الله فهو كذا على أن المحافظة على موافقة لفظ الحديث إنما يليق أن يجعل نكتة في كلام المصنفين ومن ينخرط في سلكهم لا في كلام الله جل شأنه كما لا يخفى على من له طبع سليم، وأيضا البحث إنما هو في ترجيح تقدير الفعل العام كأبدأ أو أشرع وما شاكلهما لا في ترجيح خصوص اقرأ أعني فعلا مصدره القراءة على خصوص أبدأ أعني فعلا مصدره البداءة ففيما ذكر خروج عن قانون الأدب وموضع النزاع.
وذهب البعض إلى تقدير ابتدائي مثلا وفيه زيادة إضمار لوجوب إضمار الخبر حينئذ فيكون المضمر ثلاث كلمات ودلالة الإسمية على الثبوت معارضة بدلالة المضارع على الاستمرار التجددي المناسب للمقام إلا أنه تبقى المخالفة بين جملتي البسملة والحمد ولعل الأمر فيه سهل وجعل الشيخ الأكبر قدس سره هذا الجار خبر مبتدأ مضمر هو ابتداء العالم وظهوره لأن سبب وجوده الأسماء الإلهية وهي المسلطة عليه كجعله متعلقا بما بعده إذ لا يحمد الله تعالى إلا بأسمائه من باب الإشارة فلا ينظر فيه إلى الظاهر ولا يتقيد بالقواعد ولا أرى الاعتراض عليه من الإنصاف، وقد ذهب الكثير إلى أن تقدير المتعلق هنا مؤخرا أحرى لأن اسم الله تعالى مقدم على الفعل ذاتا فليقدم على الفعل
(٤٩)
مفاتيح البحث: البول (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»