يستدعي الفكر والحسبان وهي مسألة خلافية بينه وبين الله تعالى القائل: * (هو الله الخالق البارىء) * (الحشر: 24) وبقول الله تعالى أقول، والموصول الثاني عطف على المنصوب في * (خلقكم) * و (قبل) ظرف زمان بكثرة ومكان بقلة ويتجوز بها عن التقدم بالشرف والرتبة، والخطاب إن شمل المؤمنين وغيرهم فالمراد بالذين قبلهم من تقدمهم في الوجود ومن هو موجود وهو أعلى منزلة منهم وفي هذا تذكير لكمال جلال الله تعالى وربوبيته وفيه من تأكيد أمر العبادة ما لا يخفى، وقدم سبحانه التنبي على خلقهم وإن كان متأخرا بالزمان لأن علم الإنسان بأحوال نفسه أظهر ولأنهم المواجهون بالأمر بالعبادة فتنبيههم أولا على أنفسهم آكد وأهم، وأتى بالخلق صلة والصلات لا بد من كونها معلومة الانتساب عند المخاطب، ولذا يعرف الموصول عنده بما فيها من العهد، واشترطت خبريتها إشارة إلى أنه ليس في المخاطبين من ينكر كون الخالق هو الله تعالى: * (ولئن سألتهم من خلقهم) * (الزخرف: 87) أو * (من خلق السموات والأرض ليقولن الله) * (الزمر: 38) وانفهام ذلك من الوصف بناء على ما قالوا الإخبار بعد العلم بها أوصاف والأوصاف قبل العلم بها أخبار مما قاله بعض المحققين وإن كان هناك من لا يعلم أن الله تعالى خالقه وخالق من قبله احتيج إلى ادعاء التغليب أو تنزيل غير العالم منزلة العالم لوضوح البراهين فتخرج الجملة مخرج المعلوم على خلاف مقتضى الظاهر، وقرأ ابن السميقع (وخلق من قبلكم) وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والذين من قبلكم بفتح الميم، واستشكل لتوالي موصولين والصلة واحدة وخرجت على جعل (من) تأكيدا للذين فلا يحتاج إلى صلة نحو قوله: من النفر اللائي الذين إذا هم * تهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا واعترض بأن الحرف لا يؤكد بدون إعادة ما اتصل به فالموصول أولى بذلك إذ يكاد أن يكون تأكيده كتأكيد بعض الاسم (فمن) حينئذ موصولة أو موصوفة وهي خبر مبتدأ مقدر وما بعدها صلة أو صفة وهي مع المقدر صلة الموصول الأول ويكون على أحد الاحتمالين نظير. فقلت وأنكرت الوجوه هم هم وتخريج البيت على نحو هذا، وقيل: * (من) * زائدة، وقد أجاز بعض النحاة زيادة الأسماء؛ والكسائي زيادة * (من) * الموصولة، و (جعل) من ذلك: وكفى بنا فضلا على من غيرنا * حب النبي محمد إيانا وبعضهم استشكل القراءة المشهورة أيضا بأن الذين أعيان و * (من قبلكم) * ناقص ليس في الإخبار به عنها فائدة، فكذلك الوصل به إلا على تأويل وتأويل أن ظرف الزمان إذا وصف لفظا أو تقديرا مع القرينة صح الإخبار والوصل به تقول: نحن في يوم طيب، و (ما) هنا في تقدير: والذين كانوا من زمان قبل زمانكم، وقدر أبو البقاء: والذين خلقهم من قبل خلقكم فحذف الفعل الذي هو صلة وأقيم متعلقه مقامه فتدبر.
* (لعلكم تتقون) * (لعل) في المشهور موضوعة للترجي وهو الطمع في حصول أمر محبوب ممكن الوقوع والإشفاق وهو توقع مخوف ممكن، والظاهر التقابل فتكون مشتركة، وذكر الرضي أنها للترجي وهو ارتقاب شيء لا وثوق بحصوله فيدخل فيه الطمع والإشفاق، والذي يميل إليه القلب ما ذكره بعض المحققين أنها لإنشاء توقع أمر متردد بين الوقوع وعدمه مع رجحان الأول، إما محبوب فيسمى رجاء أو مكروه فيسمى إشفاقا وذلك قد يعتبر تحققه بالفعل إما من جهة المتكلم - وهو الشائع - لأن معاني الإنشاآت قائمة به. وإما من جهة المخاطب تنزيلا له منزلة المتكلم في التلبس التام بالكلام الجاري بينهما، ومنه * (لعله يتذكر أو يخشى) * (طه: 44) وقد يعتبر تحققه بالقوة بضرب من التجوز إيذانا بأن ذلك الأمر في نفسه مئنة للتوقع متصف بحيثية مصححة له من غير أن يعتبر هناك توقع بالفعل من متوقع أصلا. ففي الآية الكريمة - إن جعلت الجملة حالا