تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ١٧٦
ولذا قال مع الإضاءة (كلما) ومع الاظلام (إذا) وقول أبي حيان: إن التكرار متى فهم من (كلما) هنا لزم منه التكرار في (إذا) إذ الأمر دائر بين إضاءة البرق والاظلام ومتى وجد (ذا) فقد ذا فلزم من تكرار وجود (ذا) تكرار عدم ذا غفلة عما أرادوه من هذا المعنى الكنائي والمجازي. وأضاء إما متعد كما في قوله: أعد نظرا يا عبد قيس لعلما * أضاءت لك النار الحمار المقيدا والمفعول محذوف أي: كلما أضاء لهم ممشى مشوا فيه وسلكوه، وإما لازم ويقدر حينئذ مضافان أي كلما لمع لهم مشوا في مطرح ضوئه ولا بد من التقدير إذا ليس المشيء في البرق بل في محله وموضع إشراق ضوئه وكون (في) للتعليل والمعنى مشوا لأجل الإضاءة فيه يتوقف فيه من له ذوق في العربية، ويؤيد اللزوم قراءة ابن أبي عبلة (ضاء) ثلاثيا، وفي مصحف ابن مسعود بدل (مشوا فيه) (مضوا فيه)، وللإشارة إلى ضعف قواهم لمزيد خوفهم ودهشتهم لم يأت سبحانه بما يدل على السرعة، ولما حذف مفعول أضاء وكانت النكرة أصلا أشار إلى أنهم لفرط الحيرة كانوا يخبطون خبط عشواء ويمشون كل ممشى، ومعنى * (أظلم عليهم) * اختفى عنهم، والمشهور استعمال أظلم لازما، وذكر الأزهري - وناهيك به - في " التهذيب " أن كل واحد من أوصاف الظلم يكون لازما ومتعديا، وعلى احتمال التعدي هنا ويؤيده قراءة زيد بن قطيب والضحاك (أظلم) بالبناء للمفعول مع اتفاق النحاة على أن المطرد بناء المجهول من المتعدي بنفسه يكون المفعول محذوفا أي إذا أظلم البرق بسبب خفائه معاينة الطريق قاموا أي وقفوا عن المشي ويتجوز به على الكساد ومنه قامت السوق، وفي ضده يقال: مشت الحال * (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) * عطف على مجموع الجمل الاستئنافية ولم يجعلوها معطوفة على الأقرب ومن تتمته لخروجها عن التمثيل وعدم صلاحيتها للجواب، وعطف ما ليس بجواب على الجواب ليس بصواب وجوزه بعض المحققين إذ لا بأس بأن يزاد في الجواب ما يناسبه وإن لم يكن له دخل فيه بل قد يستحسن ذلك إذا اقتضاه المقام كما في * (وما تلك بيمينك يا موسى) * (طه: 17) الآية وكونها اعتراضية أو حالية من ضمير * (قاموا) * بتقدير المبتدأ أو معطوفة على الجملة الأولى مع تخلل الفواصل اللفظية، والمقدرة فضول عند ذوي الفضل، والقول بأنه أتى بها لتوبيخ المنافقين حيث لم ينتهوا لأن من قدر على إيجاد قصيف الرعد ووميضه وإعدامهما قادر على إذهاب سمعهم وأبصارهم أفلا يرجعون عن ضلالهم محل للتوبيخ إذ لا يصح عطف الممثل له على حال الممثل به، ومفعول شاء هنا محذوف وكثيرا ما يحذف مفعولها إذا وقعت في حيز الشرط ولم يكن مستغربا، والمعنى ولو أراد الله إذهاب سمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق لذهب، ولتقدم ما يدل على التقييد من * (يجعلون) * (البقرة: 19) و * (يكاد) * قوى دلالة السياق عليه وأخرجه من الغرابة، ولك أن لا تقيد ذلك المفعول وتقيد الجواب كما صنعه الزمخشري أو لا تقيد أصلا، ويكون المعنى لو أراد الله إذهاب هاتيك القوى أذهبها من غير سبب فلا يغنيهم ما صنعوه، والمشيئة عند المتكلمين كالإرادة سواء، وقيل: أصل المشيئة إيجاد الشيء وإصابته وإن استعمل عرفا في موضع الإرادة، وقرأ ابن أبي عبلة (لأذهب الله بأسماعهم) وهي محمولة على زيادة الباء لتأكيد التعدية أو على أن (أذهب) لازم بمعنى ذهب كما قيل بنحوه في * (تنبت بالدهن) * (المؤمنون: 20) * (ولا تلقوا بأيديكم) * (البقرة: 195) إذ الجمع بين أداتي تعدية لا يجوز، وبعضهم يقدر له مفعولا أي لأذهبهم فيهون الأمر وكلمة (لو) لتعليق حصول أمر ماض هو الجزاء بحصول أمر مفروض هو الشرط لما بينهما من
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»