تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ١٦٥
الشيء مضيئا نيرا، أو الإشراق وفرط الإنارة. وأضاء يكون متعديا ولازما، فعلى الأول: (ما) موصولة أو موصوفة والظرف صلة أو صفة وهي المفعول والفاعل ضمير النار، وعلى الثاني: فما كذلك وهي الفاعل وأنث فعله لتأويله بمؤنث كالأمكنة والجهات أو الفاعل ضمير النار وما زائدة أو في محل نصب على الظرفية، ولا يجب التصريح بفي حينئذ كما توهم لأن الحق أن ما الموصولة أو الموصوفة إذا جعلت ظرفا فالمراد بها الأمكنة التي تحيط بالمستوقد وهي الجهات الست وهي مما ينصب على الظرفية قياسا مطردا فكذا ما عبر به عنها، وأولى الوجوه أن تكون (أضاءت) متعدية و (ما) موصولة إذ لا حاجة حينئذ إلى الحمل على المعنى، ولا ارتكاب ما قل استعماله لا سيما زيادة ما هنا حتى ذكروا أنها لم تسمع هنا، ولم يحفظ من كلام العرب جلست ما مجلسا حسنا ولا قمت ما يوم الجمعة. ويا ليت شعري من أين أخذ ذلك الزمخشري وكيف تبعه البيضاوي؟! وإذا جعل الفاعل ضمير النار والفعل لازم يكون الإسناد إلى السبب لأن النار لم توجد حول المستوقد ووجد ضوؤها فجعل إشراق ضوئها حوله بمنزلة إشراقها نفسها على ما قيل، وهو مبني على أن الظرف إذا تعلق بفعل قاصر له أثر متعد يشترط في تحقق النسبة الظرفية للأثر والمؤثر فلا بد في إشراق كذا في كذا من كون الإشراق والمشرق فيه، وهذا كما إذا تعلق الظرف بفعل قاصر - كقام زيد في الدار - فإن زيدا والقيام فيها ذاتا وتبعا - وإلى ذلك مال الزمخشري - ومن الناس من اكتفى بوجود الأثر فيه وإن لم يوجد المؤثر فيه بذاته كما في الأفعال المتعدية فأضاءت الشمس في الأرض حقيقة على هذا مجاز على الأول، وحول ظرف مكان ملازم للظرفية والإضافة - ويثنى ويجمع - فيقال حوليه وأحواله وحوال مثله فيثني على حوالي، ولم نظفر بجمعه فيما حولنا من الكتب اللغوية ولا تقل حواليه بكسر اللام كما في " الصحاح ". ولعل التثنية والجمع - مع ما يفهم من بعض الكتب أن حول وكذا حوال بمعنى الجوانب وهي مستغرقة - ليسا حقيقين، وقيل: باعتبار تقسيم الدائرة كما أشار إليه المولى عاصم أفندي في ترجمة " القاموس " بالرومية وفيه تأمل، وأصل هذا التركيب موضوع للطواف والإحاطة كالحول للسنة فإنه يدور من فصل أو يوم إلى مثله، ولما لزمه الانتقال والتغير استعمل فيه باعتباره كالاستحالة والحوالة وإن خفي في نحو الحول بمعنى القوة، وقيل: أصله تغير الشيء وانفصاله و (ذهب) الخ جواب (لما) والسببية ادعائية فإنه لما ترتب إذهاب النور على الإضاءة بلا مهلة جعل كأنه سبب له على أنه يكفي في الشرط مجرد التوقف نحو - إن كان لي مال حججت - والإذهاب متوقف على الإضاءة، والضمير في * (بنورهم) * للذي أو لموصوفه وجمعه لما تقدم. واختار النور على النار لأنه أعظم منافعها والمناسب للمقام سباقا ولحاقا، وقيل: الجملة متسأنفة جوابا عما بالهم شبهت حالهم بذلك، أو بدل من جملة التمثيل للبيان والضمير للمنافقين وجواب (لما) محذوف أي خمدت نارهم فبقوا متحيرين، ومثله * (فلما ذهبوا به) * (يوسف: 15) وحذفه للإيجاز وأمن الإلباس ولا يخفى ما فيه على من له أدنى إنصاف وإن ارتضاه الجم الغفير، ويجل عن مثل هذا الألغاز كلام الله تعالى اللطيف الخبير. وإسناد الفعل إليه تعالى حقيقة فهو سبحانه الفعال المطلق الذي بيده التصرف في الأمور كلها بواسطة وبغير بواسطة، ولا يعترض على الحكيم بشيء، وحمل النار على نار لا يرضى الله تعالى إيقادها إما مجازية كنار الفتنة والعداوة للإسلام أو حقيقية أوقدها الغواة للفساد أو الإفساد، فحينئذ يليق بالحكيم إطفاؤها وإلا يرتكب المجاز لم يدع إليه إلا اعتزال وإيقاد نار الغواية والإضلال، وعدي بالباء دون الهمزة لما في المثل السائر أن ذهب بالشيء يفهم منه أنه استصحبه وأمسكه عن الرجوع إلى الحالة الأولى ولا كذلك أذهبه فالباء والهمزة وإن اشتركا في معنى التعدية فلا يبعد أن ينظر صاحب المعاني إلى معنى الهمزة والباء الأصليين، أعني الإزالة
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»