بل جميع هذه الأمور خارجة عن مفهومها مستفادة بمعونة القرآن كيلا يلزم القول بالاستراك أو الحقيقة والمجاز من غير ضرورة، وبه قال بعضهم، وما ذهب إليه ابن الحاجب من أنها للدلالة على انتفاء الأول لانتفاء الثاني من لوازم هذا المفهوم وكونه لازما لا يستلزم الإرادة في جميع الموارد فإن الدلالة غير الإرادة. وذكر أن ما قالوه من أنها لتعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فرضا مع القطع بانتفائه فيلزم لأجل انتفائه انتفاء ما علق به فيفيد أن انتفاء الثاني في الخارج إنما هو بسبب انتفاء الأول فيه مع توقفه على كون انتفاء الأول مأخوذا في مدخولها، وقد عرفت أنه يستلزم خلاف الأصل يرد عليه أن المستفاد من التعليق على أمر مفروض الحصول إبداء المانع من حصول المعلق في الماضي وأنه لم يخرج من العدم الأصلي إلى حد الوجود وبقي على حاله لارتباط وجوده بأمر معدوم، وأما أن انتفاءه سبب لانتفائه في الخارج فكلا كيف والشرط النحوي قد يكون مسببا مضافا للجزاء، نعم أن هذا مقتضى الشرط الاصطلاحي، وما استدل به العلامة التفتازاني على إفادتها السببية الخارجية من قول الحماسي: ولو طار ذو حافر قبلها * لطارت ولكنه لم يطر لأن استثناء المقدم لا ينتج، ففيه أن اللازم مما ذكر أن لا تكون مستعملة للاستدلال بانتفاء الأول على انتفاء الثاني ولا يلزم منه أن لا تكون مستعملة لمجرد التعليق لإفادة إبداء المانع مع قيام المقتضي كيف ولو كان معناها إفادة سببية الانتفاء للانتفاء كان الاستثناء تأكيدا وإعادة بخلاف ما إذا كان معناها مجرد التعليق فإنه يكون إفادة وتأسيسا، وهذا محصل ما قالوه ردا وقبولا. وزبدة ما ذكروه إجمالا وتفصيلا. ومعظم مفتى أهل العربية أفتوا بما قاله مفتي الديار الرومية، ولا أوجب عليك التقليد فالأقوال بين يديك فاختر منها ما تريد.
* (إن الله على كل شيء قدير) * كالتعليل للشرطية والتقرير لمضمونها الناطق بقدرته تعالى على إذهاب ما ذكر لأن القادر على الكل قادر على البعض والشيء لغة ما يصح أن يعلم ويخبر عنه كما نص عليه سيبويه، وهو شامل للمعدوم والموجود الواجب والممكن وتختلف إطلاقاته، ويعلم المراد منه بالقرائن فيطلق تارة، ويراد به جميع أفراده كقوله تعالى: * (والله بكل شيء عليم) * (البقرة: 282) بقرينة إحاطه العلم الإلهي بالواجب والممكن المعدوم والموجود والمحال الملحوظ بعنوان ما، ويطلق ويراد به الممكن مطلقا كما في الآية الكريمة بقرينة القدرة التي لا تتعلق إلا بالممكن، وقد يطلق ويراد به الممكن الخارجي الموجود في الذهن كما في قوله تعالى: * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * (الكهف: 23، 24) بقرينة كونه متصورا مشيئا فعله غدا، وقد يطلق ويراد به الممكن المعدوم الثابت في نفس الأمر كما في قوله تعالى: * (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * (النحل: 40) بقرينة إرادة التكوين التي تختص بالمعدوم، وقد يطلق ويراد به الموجود الخارجي كما في قوله تعالى: * (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) * (مريم: 9) أي موجودا خارجيا لامتناع أن يراد نفي كونه شيئا بالمعنى اللغوي الأعم الشامل للمعدوم الثابت في نفس الأمر لأن كل مخلوق فهو في الأزل شيء أي معدوم ثابت في نفس الأمر وإطلاق الشيء عليه قد قرر، والأصل في الإطلاق الحقيقة ولا يعدل عنه إلا لصارف ولا صارف. وشيوع استعماله في الموجود لا ينتهض صارفا إذ ذاك إنما هو لكون تعلق الغرض في المحاورات بأحوال الموجودات أكثر لا لاختصاصه به لغة، وما ذكره مولانا البيضاوي من اختصاصه بالموجود - لأنه في الأصل مصدر شاء - أطلق بمعنى شاء تارة؛ وحينئذ يتناول الباري تعالى وبمعنى مشيء أخرى أي مشيء وجوده الخ ففيه مع ما فيه أنه يلزمه في قوله تعالى: * (والله بكل شيء عليم) * (البقرة: 82) استعمال المشترك في معنييه لأنه إذا كان بمعنى الشائي