تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ١٦٣
وتظن سلمى أنني أبغي بها * بدلا أراها في الضلال تهيم على أن بين معنى * (اشتروا) * الخ ومعنى * (وما كانوا) * الخ تقاربا يمنع حسن العطف كما لا يخفى على من لم يضع فطرته السليمة، وجوز أن تكون الجملة حالا، ولا يخفى سوء حاله على من حسن تمييزه. وقرأ ابن أبي عبلة (تجاراتهم) على الجمع ووجهه أن لكل واحد تجارة، ووجه الإفراد في قراءة الجمهور فهم المعنى مع الإشارة أن تجاراتهم وإن تعددت فهي من سوق واحدة وهم شركاء فيها.
* (مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلمآ أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلم‍ات لا يبصرون) * * (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) * جملة مقررة لجملة قصة المنافقين المسرودة إلى هنا فلذا لم تعطف على ما قبلها، ولما كان ذلك جاريا على ما فيه من استعارات وتجوزات مجرى الصفات الكاشفة عن حقيقة المنافقين وبيان أحوالهم عقبه ببيان تصوير تلك الحقيقة وإبرازها في صورة المشاهد بضرب المثل تتميما للبيان، فلضرب المثل شأن لا يخفى ونور لا يطفى يرفع الأستار عن وجوه الحقائق ويميط اللثام عن محيا الدقائق ويبرز المتخيل في معرض اليقين ويجعل الغائب كأنه شاهد، وربما تكون المعاني التي يراد تفهيمها معقولة صرفة، فالوهم ينازع العقل في إدراكها حتى يحجبها عن اللحوق بما في العقل فبضرب الأمثال تبرز في معرض المحسوس فيساعد الوهم العقل في إدراكها، وهناك تنجلي غياهب الأوهام ويرتفع شغب الخصام * (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) * (الحشر: 21) وقيل: الأشبه أن تجعل موضحة لقوله تعالى: * (أولئك الذين اشتروا) * (البقرة: 16) الخ ولا بعد فيه؛ والحمل على الاستئناف بعيد لا سيما والأمثال تضرب للكشف والبيان، والمثل بفتحتين كالمثل بكسر فسكون والمثيل في الأصل النظر والشبيه، والتفرقة لا أرتضيها، وكأنه مأخوذ من المثول وهو الانتصاب ومنه الحديث: " من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار " ثم أطلق على الكلام البليغ الشائع الحسن المشتمل إما على تشبيه بلا شبيه، أو استعارة رائقة تمثيلية وغيرها، أو حكمة وموعظة نافعة، أو كناية بديعة، أو نظم من جوامع الكلم الموجز، ولا يشترط فيه أن يكون استعارة مركبة خلافا لمن وهم، بل لا يشترط أن يكون مجازا، وهذه أمثال العرب أفردت بالتآليف وكثرت فيها التصانيف وفيها الكثير مستعملا في معناه الحقيقي ولكونه فريدا في بابه، وقد قصد حكايته لم يجوزوا تغييره لفوات المقصود وتفسيره بالقول السائر الممثل مضربه بمورده يرد عليه أمثال القرآن لأن الله تعالى ابتدأها وليس لها مورد من قبل، اللهم إلا أن يقال إن هذا اصطلاح جديد أو أن الأغلب في المثل ذلك، ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة. ومن ذلك: * (ولله المثل الأعلى) * (النحل: 60) و * (مثل الجنة التي وعد المتقون) * (الرعد: 35) وهو المراد هنا في المثل دون التمثيل المدلول عليه بالكاف. والمعنى حالهم العجيبة الشأن كحال من استوقد نارا الخ فيما سيكشف عن وجهه إن شاء الله تعالى، فالكاف حرف تشبيه متعلقة بمحذوف خبر عن المبتدأ، وزعم ابن عطية أنها اسم مثلها في قول الأعشى: أينتهون ولن ينهى ذوي شطط * كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل وهذا مذهب ابن الحسن، وليس بالحسن إلا في الضرورة والقول بالزيادة كما في قوله: فصيروا مثل: * (كعصف مأكول) * (الفيل: 5) زيادة في الجهل، والذي وضع موضع - الذين - إن كان ضمير * (بنورهم) * راجعا إليه وإلا فهو باق على ظاهره إذ لا ضير في تشبيه حال الجماعة بحال الواحد وجاز هنا وضع المفرد موضع الجمع، وقد منعه الجمهور فلم يجوزوا إقامة القائم مقام القائمين لأن هذا مخالف لغيره لخصوصية اقتضته فإنه إنما وضع ليتوصل به إلى وصف المعارف بالجمل فلما لم يقصد لذاته توسعوا فيه، ولأنه مع صلته كشيء واحد، وعلامة الجمع لا تقع حشوا فلذا لم
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»