تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ١٥٢
والزمان فيهما مختلف ودفعه بأن (كان) دالة على الاستمرار في جميع الأزمنة ويكذبون دل على الاستمرار التجددي الداخل في جميع الأزمنة على علاته يغني الله تعالى عنه. وأمال حمزة فزادهم في عشرة أفعال ووافقه ابن ذكوان في إمالة جاء وشاء وزاد هذه، وعنه خلاف في زاد غيرها، والإمالة لتميم والتفخيم للحجاز. وقد نظم أبو حيان تلك العشرة فقال: وعشرة أفعال تمال لحمزة * فجاء وشاء ضاق ران وكملا بزاد وخاب طاب خاف معا وحا * ق زاغ سوى الأحزاب مع صادها فلا * (وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) * اختلف في هذه الجملة فقيل معطوفة على (يكذبون) (البقرة: 10) لأنه أقرب وليفيد تسببه للعذاب أيضا وليؤذن أن صفة الفساد يحترز منها كما يحترز عن الكذب. ووجه إفادته لتسبب الفساد للعذاب أنه داخل في حيز صلة الموصول الواقع سببا إذ المعنى في قولهم: * (إنما نحن مصلحون) * إنكار لادعائهم أن ما نسب لهم منه صلاح وهو عناد وإصرار على الفساد والإصرار على ذلك فساد وإثم، وهذا الذي مال إليه الزمخشري - وهو مبني على عدم الاحتياج إلى ضمير في الجملة - يعود إلى (ما) فإنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع وإلا يكون التقدير ولهم عذاب أليم بالذي كانوا إذا قيل لهم الخ وهو غير منتظم وكأن من يجعل (ما) مصدرية يجعل الوصل ب (كان) حيث لم يعهد وصلها بالجملة الشرطية نعم يرد أن قوله تعالى: * (إنما نحن مصلحون) * كذب فيؤول المعنى إلى استحقاق العذاب بالكذب وعطف التفسير مما يأباه الذوق والاستعمال ومن هنا قيل: بأن هذا العطف وجيه على قراءة (يكذبون) بالتشديد على أحد احتمالاته ليكون سببا للجمع بين ذمهم بالكذب والتكذيب. وقول مولانا مفتي الديار الرومية في الاعتراض: أن هذا النحو من التعليل حقه أن يكون بأوصاف ظاهرة العلية مسلمة الثبوت للموصوف غنية عن البيان لشهرة الاتصاف بها عند السامع أو لسبق الذكر صريحا أو استلزاما، ولا ريب في أن هذه الشرطية غير معلومة الانتساب بوجه حتى تستحق الانتظام في سلك التعليل لا يخفى ما فيه على من أمعن النظر، وقيل: معطوفة على يقول لسلامته مما في ذلك العطف من الدغدغة ولتكون الآيات حينئذ على نمط تعديد قبائحهم وإفادتها اتصافهم بكل من تلك الأوصاف استقلالا وقصدا ودلالتها على لحوق العذاب بسبب كذبهم الذي هو أدنى أحوالهم فما ظنك بسائرها؟ ولكون هذا الماضي لمكان إذا مستقبلا حسن العطف، وفيه أن مآل هذه الجملة الكذب كما أشير إليه فلا تغاير سابقها ولو سلم التغاير بالاعتبار وضم القيود فهي جزء الصلة أو الصفة وكلاهما يقتضي عدم الاستقلال، وأيضا كون ذلك الكذب أدنى أحوالهم لا يقبل عند من له أدنى عقل على أن تخلل البيان والاستئناف وإن لم يكن أجنبيا بين أجزاء الصلة أو الصفة لا يخلو عن استهجان فالذي أميل إليه وأعول دون هذين الأمرين عليه ما اختاره المدقق في " الكشف "، وقريب منه كلام أبي حيان في " البحر " أنها معطوفة على قوله: * (ومن الناس من يقول) * (البقرة: 8) لبيان حالهم في ادعاء الإيمان وكذبهم فيه أولا ثم بيان حالهم في انهماكهم في باطلهم ورؤية القبيح حسنا والفساد صلاحا ثانيا، ويجعل المعتمد بالعطف مجموع الأحوال وإن لزم فيه عطف الفعلية على الاسمية فهو أرجح بحسب السياق ونمط تعديد القبائح، وما قيل عليه إنه ليس مما يعتد به وإن توهم كونه أوفى بتأدية هذه المعاني وذلك لعدم دلالته على اندراج هذه الصفة وما بعدها في قصة المنافقين وبيان أحوالهم إذ لا يحسن حينئذ عود الضمائر
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»