الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٥٨
هداكم الله إلى الاسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفار فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم لهم فألقوا السلاح وبكوا وعانق الرجال بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس وأنزل الله في شان شاس بن قيس وما صنع قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون إلى قوله وما الله بغافل عما تعملون وأنزل في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين إلى قوله أولئك لهم عذاب عظيم * وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني من طريق أبى نعيم عن ابن عباس قال كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر فبينما هم يوما جلوس ذكروا ما بينهم حتى غضبوا وقام بعضهم إلى بعض بالسلاح فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فركب إليهم فنزلت وكيف تكفرون الآية والآيتان بعدها * وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال كان بين هذين الحيين من الأوس والخزرج قتال في الجاهلية فلما جاء الاسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم فجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس والخزرج فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم فكأنهم دخلهم من ذلك فقال الحي الآخرون قد قال شاعرنا كذا وكذا فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال فنزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب إلى قوله لعلكم تهتدون فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام بين الصفين فقرأ هن ورفع صوته فلما سمعوا صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن انصتوا له وجعلوا يستمعون فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا وجثوا يبكون * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كان جماع قبائل الأنصار بطنين الأوس والخزرج وكان بينهما في الجاهلية حرب ودماء وشنآن حتى من الله عليهم بالاسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم فطفا الله الحرب التي كانت بينهم وألف بينهم بالاسلام فبينا رجل من الأوس ورجل من الخزرج قاعدان يتحدثان ومعهما يهودي جالس فلم يزل يذكرهما بأيامهم والعداوة التي كانت بينهم حتى استبا ثم اقتتلا فنادى هذا قومه وهذا قومه فخرجوا بالسلاح وصف بعضهم لبعض فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يمشى بينهم إلى هؤلاء وهؤلاء ليسكنهم حتى رجعوا فأنزل الله في ذلك القرآن يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في الآية قال نزلت في ثعلبة بن عنمة الأنصاري وكان بينه وبين أناس من الأنصار كلام فمشى بينهم يهودي من قينقاع فحمل بعضهم على بعض حتى همت الطائفتان من الأوس والخزرج ان يحملوا السلاح فيقاتلوا فأنزل الله ان تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين يقول إن حملتم السلاح فاقتتلتم كفرتم * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في قوله لم تصدون عن سبيل الله الآية قال كانوا إذا سألهم أحد هل تجدون محمدا قالوا لا فصدوا الناس عنه وبغوا كذا عوجا هلاكا * وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية يقول لم تصدون عن الاسلام وعن نبي الله من آمن بالله وأنتم شهداء فيما تقرؤن من كتاب الله ان محمدا رسول الله وان الاسلام دين الله الذي لا يقبل غيره ولا يجزى الا به يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل * وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله يا أهل الكتاب لم تصدون قال هم اليهود والنصارى نهاهم أن يصدوا المسلمين عن سبيل الله ويريدون أن يعد لو الناس إلى الضلالة * وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا الآية قد تقدم الله إليكم فيهم كما تسمعون وحذركموهم وأنبأكم بضلالتهم فلا تتمنوهم على دينكم ولا تنتصحوهم على أنفسكم فإنهم الأعداء الحسدة الضلال كيف تتمنون قوما كفروا بكتابهم وقتلوا رسلهم وتحيروا في دينهم وعجزوا عن أنفسهم أولئك والله أهل التهمة والعداوة * وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله قال علمان بينات نبي الله وكتاب الله فاما نبي الله فمضى عليه الصلاة والسلام وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة ومن الله ونعمة فيه حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته * وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة