الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٢٩١
والغنيمة وعز الإسلام فكذا يكون فيما فعله في القسمة فليطعيوا ما أمروا به ويتركوا هوى أنفسهم 5229 الثاني المضادة كقوله في سورة البقرة * (إن الذين كفروا سواء عليهم) * الآية فإن أول السورة كان حديثا عن القرآن وأن من شأنه الهداية للقوم الموصوفين بالإيمان فلما أكمل وصف المؤمنين عقب بحديث الكافرين فبينهما جامع وهمي بالتضاد من هذا الوجه وحكمته التشويق والثبوب على الأول كما قيل (وبضدها تتبين الأشياء) فإن قيل هذا جامع بعيد لأن كونه حديثا عن المؤمنين بالعرض لا بالذات والمقصود بالذات هو مساق الكلام إنما هو الحديث عن القرآن لأنه مفتتح القول قيل لا يشترط في الجامع ذلك بل يكفي التعلق على أي وجه كان ويكفي وجه الربط ما ذكرناه لأن القصد تأكيد أمر القرآن والعمل به والحث على الإيمان ولهذا لما فرغ من ذلك قال * (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) * فرجع إلى الأول 5230 الثالث الاستطراد كقوله تعالى * (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير) * قال الزمخشري هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدو السوءات وخصف الورق عليهما إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة وإشعارا بأن الستر باب عظيم من أبواب التقوى وقد خرجت على الاستطراد قوله تعالى * (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون) * فإن أول الكلام ذكر للرد على النصارى الزاعمين نبوة المسيح ثم استطرد للرد على العرب الزاعمين بنوة الملائكة ويقرب من الاستطراد حتى لا يكادان يفترقان حسن التخلص وهو أن ينتقل مما ابتدئ به الكلام إلى المقصود على وجه سهل يختلسه اختلاسا دقيق المعنى بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع عليه الثاني لشدة الالتئام بينهما
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»