الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٣١
وفي موضع آخر * (وقالوا قلوبنا غلف) * ومنكر الرؤية متمسك بقوله تعالى * (لا تدركه الأبصار) * ومثبت الجهة متمسك بقوله تعالى * (يخافون ربهم من فوقهم) * * (الرحمن على العرش استوى) * والنافي متمسك بقوله تعالى * (ليس كمثله شيء) * ثم يسمى كل واحد الآيات الموافقة لمذهبه محكمة والآيات المخالفة له متشابهة وإنما آل في ترجيح بعضها على البعض إلى ترجيحات خفية ووجوه ضعيفة فكيف يليق بالحكيم أن يجعل الكتاب الذي هو المرجوع إليه في كل الدين إلى يوم القيامة هكذا قال والجواب أن العلماء ذكروا لوقوع المتشابه فيه فوائد منها أنه يوجب المشقة في الوصول إلى المراد وزيادة المشقة توجب مزيد الثواب ومنها أنه لو كان القرآن كله محكما لما كان مطابقا إلا لمذهب واحد وكان بصريحه مبطلا لكل ما سوى ذلك المذهب وذلك مما ينفر أرباب سائر المذاهب عن قبوله وعن النظر فيه والانتفاع به فإذا كان مشتملا على المحكم والمتشابه طمع صاحب كل مذهب أن يجد فيه ما يؤيد مذهبه وينصر مقالته فينظر فيه جميع أرباب المذاهب ويجتهد في التأمل فيه صاحب كل مذهب وإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسرة للمتشابهات وبهذا الطرق يتخلص المبطل من باطله ويتصل إلى الحق ومنها أن القرآن إذا كان مشتملا على المتشابه افتقر إلى العلم بطريق التأويلات وترجيح بعضها على بعض وافتقر في تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة والنحو والمعاني والبيان وأصول الفقه ولو لم يكن الأمر كذلك لم يحتج إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة فكان في إيراد المتشابه هذه الفوائد الكثيرة ومنها أن القرآن مشتمل على دعوة الخواص والعوام وطبائع العوام تنفر في
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»