تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٤٩٥
وقوله سبحانه: (من أمر ربي) يحتمل أن يريد أن الروح من جملة أمور الله التي استأثر سبحانه بعلمها، وهي إضافة خلق إلى خالق، قال ابن راشد في " مرقبته ": أخبرني شيخي شهاب الدين القرافي عن ابن دقيق العيد، أنه رأى كتابا لبعض الحكماء في حقيقة النفس، وفيه ثلاثمائة قول، قال رحمة الله: وكثرة الخلاف تؤذن بكثرة الجهالات، ثم علماء الإسلام اختلفوا في جواز الخوض فيها على قولين، ولكل حجج يطول بنا سردها، ثم القائلون بالجواز اختلفوا، هل هي عرض أو جوهر، أو ليست بجوهر ولا عرض، ولا توصف بأنها داخل الجسم ولا خارجه، وإليه ميل الإمام أبي حامد وغيره، والذي عليه المحققون من المتأخرين أنها جسم نوراني شفاف سار في الجسم سريان النار في الفحم، والدليل على أنها في الجسم قوله تعالى: (فلولا إذا بلغت الحلقوم) [الواقعة: 83] فلو لم تكن في الجسم، لما قال ذلك، وقد أخرني الفقيه الخطيب أبو / محمد البرجيني رحمه الله عن الشيخ الصالح أبي الطاهر الركراكي رحمه الله قال: حضرت عند ولي من الأولياء حين النزع، فشاهدت نفسه قد خرجت من مواضع من جسده، ثم تشكلت على رأسه بشكله وصورته، ثم صعدت إلى السماء، وصعدت نفسي معها، فلما انتهينا إلى السماء الدنيا، شاهدت بابا ورجل ملك ممدودة عليه، فأزال ذلك الملك رجله، وقال لنفس لك الولي:
اصعدي، فصعدت، فأرادت نفسي أن تصعد معها، فقال لها: ارجعي، فقد بقي لك وقت، قال: فرجعت فشاهدت الناس دائرين على جسمي، وقائل يقول: مات، وآخر يقول: لم يمت، فدخلت من أنفي، أو قال: من عيني، وقمت. انتهى.
* ت *: وهذه الحكاية صحيحة، ورجال إسنادها ثقات معروفون بالفضل، فابن راشد هو شارح ابن الحاجب الفرعي، والبرجيني معروف عند أهل إفريقية وأبو الطاهر من أكابر الأولياء معظم عند أهل تونس، مزاره وقبره بالزلاج معروف زرته رحمه الله، وقرأ الجمهور: " وما أوتيتم "، واختلف فيمن خوطب بذلك، فقال فرقة: السائلون فقط، وقالت فرقة: العالم كله، وقد نص على ذلك صلى الله عليه وسلم، على ما حكاه الطبري.
وقوله: (ولئن شئنا لنذهبن...) الآية: المعنى وما أوتيتم أنت يا محمد، وجميع الخلائق من العلم إلا قليلا، فالله يعلم من علمه بما شاء، ويدع ما شاء، ولو شاء لذهب بالوحي الذي آتاك، وقوله (إلا رحمة) استثناء منقطع، أي: لكن رحمة من ربك تمسك
(٤٩٥)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة