تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٨٦
في الفروع أشد اختلاف، وهم يد واحدة على كل كافر.
وقوله سبحانه: (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم...) الآية: هذه الآية تدل على أن الخطاب إنما هو للأوس والخزرج، كما تقدم، وكانت العداوة قد دامت بين الحيين مائة وعشرين سنة، حتى رفعها الله بالإسلام، فجاء النفر الستة من الأنصار إلى مكة حجاجا، فعرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه عليهم، وتلا عليهم شيئا من القرآن، كما كان يصنع مع قبائل العرب، فآمنوا به، وأراد الخروج معهم، فقالوا: يا رسول الله، إن قدمت بلدنا على ما بيننا من العداوة والحرب، خفنا ألا يتم ما نريده بك، ولكن نمضي نحن، ونشيع أمرك، ونداخل الناس، وموعدنا وإياك العام القابل، فمضوا، وفعلوا، وجاءت الأنصار في العام القابل، فكانت العقبة الثانية، وكانوا اثني عشر رجلا فيهم خمسة من الستة الأولين، ثم جاءوا من العام الثالث، فكانت بيعة العقبة الكبرى، حضرها سبعون، وفيهم اثنا عشر نقيبا.
ووصف القصة مستوعب في السير، ويسر الله تعالى الأنصار للإسلام بوجهين:
أحدهما: أن بني إسرائيل كانوا مجاورين لهم، وكانوا يقولون لمن يتوعدونه من العرب: يبعث لنا الآن نبي نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما رأى النفر من الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم لبعض: هذا والله، النبي الذي تذكره بنو إسرائيل، فلا تسبقن إليه.
والوجه الآخر: الحرب التي كانت ضرستهم، وأفنت سراتهم، فرجوا أن يجمع الله به كلمتهم، فكان الأمر كما رجوا، فعدد الله سبحانه عليهم نعمته في تأليفهم بعد العداوة، وذكرهم / بها قال الفخر: كانت الأنصار قبل الإسلام أعداء، فلما أكرمهم الله [سبحانه] بالإسلام، صاروا إخوانا في الله متراحمين.
واعلم أن كل من كان وجهه إلى الدنيا، كان معاديا لأكثر الخلق، ومن كان وجهه إلى خدمة المولى سبحانه، لم يكن معاديا لأحد، لأنه يرى الكل أسيرا في قبضة القضاء والقدر، ولهذا قيل: إن العارف، إذا أمر، أمر برفق، ونصح لا بعنف وعسر، وكيف، وهو مستبصر بالله في القدر. اه‍.
وقوله تعالى: (فأصبحتم) عبارة عن الاستمرار.
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة