وقوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله...) الآية: قال ابن عباس وغيره: سبب نزولها محاجة نصارى نجران في أمر عيسى، وقولهم: يا محمد، هل رأيت بشرا قط من غير فحل، أو سمعت به، ومعنى الآية أن المثل الذي تتصوره النفوس والعقول من عيسى هو كالمتصور من آدم، إذ الناس مجمعون على أن الله تعالى خلقه من تراب من غير فحل، وفي هذه الآية صحة القياس.
وقوله تعالى: (ثم قال) ترتيب للأخبار لمحمد صلى الله عليه وسلم، المعنى: خلقه من تراب، ثم كان من أمره في الأزل أن قال له: كن وقت كذا.
وقوله تعالى: (الحق من ربك)، أي: هذا هو الحق، و (الممترين): هم الشاكون، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم في عبارة اقتضت ذم الممترين، وهذا يدل على أن المراد بالامتراء غيره ونهي عن الامتراء، مع بعده عنه على جهة التثبيت والدوام على حاله.
وقوله تعالى: (فمن حاجك فيه)، أي: في عيسى، ويحتمل في الحق، والعلم الذي أشير إليه بالمجئ هو ما تضمنته هذه الآيات المتقدمة.
وقوله: (فقل تعالوا): استدعاء للمباهلة، و (تعالوا): تفاعلوا، من العلو، وهي كلمة قصد بها أولا تحسين الأدب مع المدعو، ثم اطردت، حتى يقولها الإنسان لعدوه، وللبهيمة، و (نبتهل): معناه: نلتعن، ويقال: عليهم بهلة الله، والابتهال: الجد في الدعاء بالبهلة، روى محمد بن جعفر بن الزبير وغيره: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما دعا نصارى نجران إلى المباهلة، قالوا: دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتك بما نفعل، فذهبوا إلى العاقب، وهو ذو رأيهم، فقالوا: يا عبد المسيح، ما ترى، فقال: يا معشر النصارى، والله، لقد عرفتم أن محمدا النبي المرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لاعن قوم قط نبيا، فبقي كبيرهم، ولا نبت / صغيرهم، وأنه الاستئصال إن فعلتم، فإن أبيتم إلا إلف دينكم وما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعوا الرجل،