تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٤٨
وشغلهم، وحينئذ أثيرت فيه العجائب، فلما جاء عيسى - عليه السلام - بغرائب لا تقتضيها الأمزجة وأصول الطب، وذلك إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، علمت الأطباء، أن هذه القوة من عند الله، وهذا كأمر السحرة مع موسى، والفصحاء مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ووقع في التواريخ المترجمة عن الأطباء، أن جالينوس كان في زمن عيسى - عليه السلام -، وأنه رحل إليه من رومية إلى الشام، فمات في طريقه ذلك.
وقوله: (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم...) الآية: قال مجاهد وغيره: كان عيسى - عليه السلام - من لدن طفوليته، وهو في الكتاب، يخبر الصبيان بما يفعل آباؤهم في منازلهم، وبما يؤكل من الطعام، ويدخر، وكذلك إلى أن نبئ، فكان يقول لكل من سأله عن هذا المعنى: أكلت البارحة كذا، وادخرت كذا، وقال قتادة:
معنى الآية: إنما هو في نزول المائدة عليهم، وذلك أنها لما نزلت، أخذ عليهم عهد أن يأكلوا ولا يخبأ أحد شيئا، ولا يدخره ولا يحمله إلى بيته، فخانوا، وجعلوا يخبئون، فكان عيسى - عليه السلام - يخبر كل أحد عما أكل، وعما ادخر في بيته من ذلك، وعوقبوا على ذلك.
وقوله: (فاتقوا الله وأطيعون): تحذير، ودعاء إلى الله عز وجل.
وقوله: (هذا صراط مستقيم): إشارة إلى قوله: (إن الله ربي وربكم فاعبدوه)، لأن ألفاظه جمعت الإيمان والطاعات، والصراط: الطريق، والمستقيم: الذي لا اعوجاج فيه.
(* فلما أحسن عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون (52) ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين (53) ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين (54)) وقوله تعالى: (فلما أحس عيسى منهم الكفر...) الآية: قبل هذه الآية محذوف، به يتم اتساق الآيات، تقديره: فجاء عيسى، كما بشر الله به، فقال جميع ما ذكر لبني إسرائيل، (فلما أحس)، ومعنى: (أحس): علم من جهة الحواس بما سمع من أقوالهم في تكذيبه، ورأى من قرائن أحوالهم، وشدة عداوتهم، وإعراضهم، (قال من أنصاري إلى الله) وقوله: (إلى الله): يحتمل معنيين:
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة