تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٤٥٦
لأن الله - تعالى - حكى عن هؤلاء أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وما ذلك إلا للقضاء السابق فيهم. انتهى.
(وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين (29) ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (30) قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون (31)) وقوله تعالى: (وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) هذا على تأويل الجمهور ابتداء كلام، وإخبار عنهم بهذه المقالة، و " إن " نافية، ومعنى الآية عنهم التكذيب بالحشر والعودة إلى الله.
وقوله سبحانه: (أليس هذا بالحق) الإشارة بهذا إلى البعث الذي كذبوا به / في الدنيا، وقولهم: (بلى وربنا) أيمان، ولكنه حين لا ينفع.
وقوله: (فذوقوا) استعارة بليغة، والمعنى باشروه مباشرة الذائق، و (بغتة) معناه:
فجأة، تقول: بغتني الأمر، أي: فجأني، ومنه قول الشاعر: [الطويل] ولكنهم بانوا ولم أخش بغتة * وأفظع شئ حين يفجأك البغت ونصبها على المصدر في موضع الحال.
وقولهم: (يا حسرتنا على ما فرطنا فيها) نداء الحسرة على تعظيم الأمر، وتشنيعه.
و (فرطنا) معناه: قصرنا، والضمير في قوله: (فيها) عائد على الساعة، أي: في التقدمة لها. قاله الحسن.
ويحتمل أن يعود الضمير على الدنيا، إذ المعنى يقتضيها، ومجئ الظرفية أمكن.
قلت: قال عبد الحق في " العاقبة ": لا يعرف مقدار الحياة إلا الموتى، لأنهم قد ظهرت لهم الأمور، وانكشفت لهم الحقائق، وتبدت لهم المنازل، وعلموا مقدار الأعمال الصالحة، ولما استبان لهم ذلك، وعلموا مقدار ما ضيعوا، وقيمة ما فيه فرطوا، ندموا وأسفوا، وودوا أنهم إلى الدنيا رجعوا، فالذي عمل صالحا ود أن لو رجع إلى الدنيا ليزداد
(٤٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة