هي العفة بالفرج، واليد، واللسان، واحتمال العظائم، وهنا هو الحلم وغيره من تحمل الغرامات والإنقاذ من الهلكات، وجبر الكسير، والإفضال على المسترفد، وانظر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم، ولا فخر "، وذكر حديث الشفاعة في إطلاق الموقف، وذلك منه اعتمال في رضا ولد آدم، ثم:
قال * ع *: أما أنه يحسن بالتقي العالم أن يأخذ من السؤدد بكل ما لا يخل بعلمه وتقاه، وهكذا كان يحيى - عليه السلام -.
وقوله تعالى: (وحصورا) أصل هذه اللفظة: الحبس والمنع، ومنه: حصر العدو.
قال * ع *: وأجمع من يعتد بقوله من المفسرين على أن هذه الصفة ليحيى - عليه السلام - إنما هي الامتناع من وطء النساء إلا ما حكى مكي من قول من قال: إنه الحصور عن الذنوب، وذهب بعض العلماء إلى أن حصره كان بأنه يمسك نفسه، تقي وجلدا في طاعة الله سبحانه، وكانت به القدرة على جماع النساء، قالوا: وهذه أمدح له، قال الإمام الفخر: وهذا القول هو اختيار المحققين، أنه لا يأتي النساء، لا للعجز، بل للعصمة والزهد.
قلت: قال عياض: أعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى - عليه السلام -، بأنه حصور، ليس كما قال بعضهم: إنه كان هيوبا أو لا ذكر له، بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين، ونقاد العلماء، وقالوا: هذه نقيصة وعيب، ولا تليق بالأنبياء - عليهم السلام -، وإنما معناه: معصوم من الذنوب، أي: لا يأتيها، كأنه حصر عنها، وقيل: مانعا نفسه من الشهوات، وقيل: ليست له شهوة في النساء، كفاية من الله له، لكونها مشغلة في كثير من