دل عليه ما ذكر، تقديره: فقبل الله دعاءه، وبعث الملك، أو الملائكة، فنادته، وذكر جمهور المفسرين، أن المنادي إنما هو جبريل، وقال قوم: بل نادته ملائكة كثيرة، حسبما تقتضيه ألفاظ الآية، قلت: وهذا هو الظاهر، ولا يعدل عنه إلا أن يصح في ذلك حديث عنه صلى الله عليه وسلم، فيتبع.
(فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين (39) قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء (40) قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار (41)) وقوله تعالى: (فنادته) عبارة تستعمل في التبشير، وفي ما ينبغي أن يسرع / به، وينهى إلى نفس السامع ليسر به، فلم يكن هذا من الملائكة إخبارا على عرف الوحي، بل نداء كما نادى الرجل الأنصاري كعب بن مالك من أعلى الجبل.
وقوله تعالى: (وهو قائم يصلي في المحراب)، يعني: ب " المحراب "، في هذا الموضع: موقف الإمام من المسجد، ويحيي: اسم سماه الله به قبل أن يولد، و (مصدقا) نصب على الحال، قال ابن عباس وغيره: الكلمة هنا يراد بها عيسى ابن مريم.
قال * ع *: وسمى الله تعالى عيسى كلمة، إذ صدر عن كلمة منه تعالى، وهي " كن "، لا بسبب إنسان.
وقوله تعالى: (وسيدا): قال قتادة: أي: والله سيد في الحلم والعبادة والورع.
قال * ع *: من فسر السؤدد بالحلم، فقد أحرز أكثر معنى السؤدد، ومن جرد تفسيره بالعلم والتقى ونحوه، فلم يفسره بحسب كلام العرب، وقد تحصل العلم ليحيى - عليه السلام - بقوله: (مصدقا بكلمة من الله)، وتحصل التقى بباقي الآية، وخصه الله بذكر السؤدد الذي هو الاعتمال في رضا الناس على أشرف الوجوه، دون أن يوقع في باطل هذا اللفظ يعم السؤدد، وتفصيله أن يقال: بذل الندى، وهذا هو الكرم، وكف الأذى، وهنا