الأمثال في القرآن - ابن قيم الجوزية - الصفحة ٤٢
فالخلق كلهم قسمان: موفق بالتثبيت ومخذول بترك التثبيت، ومادة التثبيت وأصله ومنشأه من القول الثابت وفعل ما أمر به العبد فيهما يثبت الله عبده فكل ما كان أثبت قولا وأحسن فعلا كان أعظم تثبتا، قال تعالى: ﴿ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا﴾ (227) فأثبت الناس قلبا أثبتهم قولا والقول الثابت هو القول الحق والصدق وهو ضد القول الباطل الكذب، فالقول نوعان: ثابت له حقيقة وباطل لا حقيقة له، وأثبت القول كلمة التوحيد ولوازمها فهي أعظم ما يثبت الله بها عباده في الدنيا والآخرة، ولهذا ترى الصادق من أثبت الناس وأشجعهم قلبا والكاذب من أمهن الناس وأخبثهم وأكثرهم تلويا وأقلهم ثباتا (228)، وأهل الفراسة يعرفون صدق الصادق من ثبات قلبه وقت الاختبار وشجاعته ومهابته ويعرفون (229) كذب الكاذب بضد ذلك، ولا يخفى ذلك إلا على ضعيف البصيرة، وسئل بعضهم عن كلام سمعه من متكلم به فقال: والله ما فهمت منه شيئا الا أني سمعت لكلامه صولة ليست بصولة مبطل فما منح العبد منحة أفضل من منحة القول الثابت) ويجد أهل القول الثابت ثمرته أحوج ما يكونون إليه في قبورهم ويوم معادهم كما في صحيح مسلم (230) من حديث البراء (231) بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر (232)، وقد جاء (هذا) (233) مبينا في أحاديث صحاح فمنها ما في المسند من حديث داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال:
(يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا الإنسان دفن وتفرق عنه

(٢٢٧) النساء: ٦٦ انظر تفسير الكشاف ١ / ٥٣٩.
(٢٢٨) في ع (وأجبنهم تلوما) وفى م (أجبنهم وأكثرهم تلونا).
(٢٢٩) زيادة في م، ع (٢٣٠) هو الحافظ الحسين بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري ولد سنه ٣٠٤ ه‍.
(٢٣١) البراء بن عازم بن الحارث بن عدي الأنصاري انظر تجريد الأسماء الذهبي ١ / ٤٦.
(٢٣٢) مسلم ٤ / ٢٢٠١، ٢٢٠٢ صحيح البخاري ٣، 104 / 105 والنسائي 4 / 84.
(233) زيادة من م، ع.
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مراجع الكتاب 5
2 مواقف المنافقين في أمثال القرآن 9
3 فصل: تشبيه الماء الذي ينزل من السماء وفيه الخير بالمؤمن 12
4 فصل: مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع 13
5 فصل: مثل المتخذ من دون الله أولياء " بالعنكبوت " 14
6 فصل: مثل من عمله كسراب ومثل من عمله كظلمات في بحر لجي 15
7 فصل: مثل من عرف الحق والهدى وعمل بغيره 17
8 فصل: مثل من يسمع ولا يعقل 19
9 فصل: الشرك بالله 20
10 فصل: مثل من أعرض عن كلام الله 26
11 فصل: مثل الذين حملوا التوراة 27
12 فصل: مثل الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها 28
13 سبب الخلود إلى الأرض: فصل: مثل التجسس والظن والاغتياب 33
14 فصل: مثل من أعمالهم كرماد 34
15 فصل: مثل الكلمة الطيبة 35
16 فصل: الكلام على النخلة 37
17 فصل: مثل الكلمة الخبيثة 40
18 فصل: التثبت بالقول الصالح 41
19 فصل: سؤال القبر 43
20 فصل: مثل الشرك بالله " فكأنما خر من السماء " 46
21 فصل: مثل الشرك بالله " لن يخلقوا ذبابا " 47
22 فصل: مثل الذي ينعق 48
23 فصل: مثل الانفاق " مثل حبة " 50
24 فصل: مثل ما ينفقون " مثل ريح فيها صر " 53
25 فصل: ضرب الله مثلا رجلا 54
26 فصل: مثل امرأة نوح - ولوط وامرأة فرعون - ومريم 55