وقال: * (أهلكناهم) *، حملا على المعنى. انتهى. وظاهر هذا الكلام لا يصح، لأن الضمير في أهلكناهم ليس عائدا على المضاف إلى القرية التي أسند إليها الإخراج، بل إلى أهل القرية في قوله: * (وكأين من قرية) *، وهو صحيح، لكن ظاهر قوله حملا على اللفظ وحملا على المعنى: أي أن يكون في مدلول واحد، وكان يبقى كأين مفلتا غير محدث عنه بشيء، إلا أن وقت إهلاكهم كأنه قال: فهم لا ينصرون إذ ذاك. وقال ابن عباس: لما أخرج من مكة إلى الغار، التفت إلى مكة وقال: أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأنت أحب بلاد الله إلي، فلو أن المشركين لم يخرجوني، لم أخرج منك، فأعدي الأعداء من عدا على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله. وقيل: بدخول الجاهلية قال: فأنزل الله تعالى، * (وكأين من قرية) * الآية؛ وقد تقدم أول السورة عن ابن عباس خلاف هذا القول.
* (أفمن كان على بينة من ربه) *: استفهام توقيف وتقرير على كل شيء متفق عليه، وهي معادلة بين هذين الفريقين. قال قتادة: والإشارة إلى الرسول وإلى كفار قريش. انتهى. واللفظ عام لأهل الصنفين. ومعنى على بينة: واضحة، وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات. * (كمن زين له سوء عمله) *: وهو الشرك والكفر بالله وعبادة غيره. * (واتبعوا أهواءهم) *: أي شهوات أنفسهم ممن لا يكون له بينة، فعبدوا غير خالقهم. والضمير في واتبعوا عائد على معنى من، وقرئ أمن كان بغير فاء. * (مثل الجنة) *: أي صفة الجنة، وهو مرفوع بالابتداء. قال الزمخشري: قال النضر بن شميل: كأنه قال: صفة الجنة، وهو ما تسمعون. انتهى. فما تسمعون الخبر، وفيها أنها تفسير لتلك الصفة، فهو استئناف إخبار عن تلك الصفة. وقال سيبويه: فيما يتلى عليكم مثل الجنة، وقدر الخبر المحذوف متقدما، ثم فسر ذلك الذي يتلى. وقال ابن عطية: وفي الكلام حذف يقتضيه الظاهر، كأنه قيل: مثل الجنة ظاهر في نفس من وعى هذه الأوصاف. وكان ابن عطية قد قال قبل هذا: ويظهر أن القصد بالتمثيل هو إلى الشيء الذي يتخيله المرء عند سماعه. فههنا كذا، فكأنه يتصور عند ذلك اتباعا على هذه الصورة، وذلك هو مثل الجنة. قال: وعلى هذه التأويلات، يعني قول النضر وقول سيبويه، وما قاله هو يكون قبل قوله: * (كمن هو خالد فى النار) * حذف تقديره: أساكن؟ أو أهؤلاء؟ إشارة إلى المتقين. قيل: ويحتمل عندي أن يكون الحذف في صدر هذه الآية، كأنه قال: مثل أهل الجنة، وهي بهذه الأوصاف، * (كمن هو خالد فى النار) *. ويجيء قوله: * (فيها أنهار) * في موضع الحال على هذا التأويل. انتهى. ولم يذكر الزمخشري غير هذا الوجه. قال: ومثل الجنة: صفة الجنة العجيبة الشأن، وهو مبتدأ، وخبر من هو خالد في النار. وقوله: * (فيها أنهار) *، في حكم الصلة، كالتكرير لها. ألا ترى إلى سر قوله: التي فيها أنهار؟ ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف هي: فيها أنهار، كأن قائلا قال: وما مثلها؟ فقيل: فيها أنهار.
وقال الزمخشري أيضا: فإن قلت: ما معنى قوله: * (مثل الجنة التى وعد المتقون فيها أنهار) *؟ قال: * (كمن هو خالد فى النار) *. قلت: هو كلام في صورة الإثبات، ومعناه النفي والإنكار، لانطوائهم تحت كلام مصدر بحرف الإنكار، ودخوله في حيزه، وانخراطه في مسلكه، وهو قوله: * (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله) *، فكأنه قيل: مثل الجنة كمن هو خالد في النار، أي كمثل جزاء من هو خالد في النار. فإن قلت: لم على من حرف الإنكار؟ وما فائدة التعرية؟ قلت: تعريته من حرف الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من سوى بين المستمسك بالبينة والتابع لهواه، وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجري فيها تلك الأنهار، وبين النار التي يسقى أهلها الحميم، ونظيره قول القائل:
* أفرح أن أرزأ الكرام وأن * أورث ذودا شصائصا نبلا * هو كلام منكر للفرح برزية الكرام ووراثة الذود، مع تعريته من حرف الإنكار، لانطوائه تحت حكم من قال: أتفرح