تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٨٠
وشد التاء. قال صاحب اللوامح: وهي صفة، وانتصابها على الحال لا نظير لها في المصادر ولا في الصفات، بل في الأسماء نحو: الحرية، وهو اسم جماعة، والسرية اسم مكان. انتهى. وكذا قال أبو العباس بن الحاج، من أصحاب الأستاذ أبي علي الشلوبين، في (كتاب المصادر) على أبي عمرو: أن يكون الصواب بغتة، بفتح الغين من غير تشديد، كقراءة الحسن فيما تقدم. انتهى. وهذا على عادته في تغليظ الرواية.
* (فقد جاء أشراطها) *: أي علاماتها، فينبغي الاستعداد لها. ومن أشراط الساعة مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم)، إذ هو خاتم الأنبياء. وروي عنه أنه قال: (أنا من أشراط الساعة). وقال: (بعثت أنا والساعة كهاتين وكفرسي رهان). وقيل: منها الدخان وانشقاق القمر. وعن الكلبي: كثرة المال، والتجارة، وشهادة الزور، وقطع الأرحام، وقلة الكرام، وكثرة اللئام. * (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) *: الظاهر أن المعنى: فكيف لهم الذكرى والعمل بها إذا جاءتهم الساعة؟ أي قد فاتها ذلك. قيل: ويحتمل أن يكون المبتدأ محذوفا، أي: فأنى لهم الخلاص إذا جاءتهم الذكرى بما كانوا يخبرون به فيكذبون به بتواصله بالعذاب؟ ثم أضرب عن ذكر المنافقين وقال: * (فاعلم أنه لا إلاه إلائ * الله) *، والمعنى: دم على عملك بتوحيد. واحتج بهذا على قول من قال: أول الواجبات العلم والنظر قبل القول والإقرار. وفي الآية ما يدل على التواضع وهضم النفس، إذ أمره بالاستغفار، ومع غيره بالاستغفار لهم.
* (متقلبكم) *: متصرفكم في حياتكم الدنيا. * (ومثواكم) *: إقامتكم في قبوركم وفي آخرتكم. وقال عكرمة: متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات، ومثواكم: إقامتكم في الأرض. وقال الطبري وغيره: متقلبكم: تصرفكم في يقظتكم، ومثواكم: منامكم. وقيل: متقلبكم في معائشكم ومتاجركم، ومثواكم حيث تستفزون من منازلكم. وقيل: متقلبكم بالتاء، وابن عباس بالنون.
* (ويقول الذين ءامنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين فى قلوبهم مرض ينظرون) *.
كان المؤمنون حريصين على ظهور الإسلام وعلو كلمته وتمني قتل العدو، وكانوا يستأنسون بالوحي، ويستوحشون إذا أبطأ. والله تعالى قد جعل ذلك بابا ومضروبة لا يتعدى. فمدح تعالى المؤمنين بطلبهم إنزال سورة، والمعنى تتضمن أمرنا بمجاهدة العدو، وفضح أمر المنافقين. والظاهر أن ظاني ذلك هم خلص في إيمانهم، ولذلك قال بعد * (رأيت الذين فى قلوبهم مرض) *. وقال الزمخشري: كانوا يدعون الحرص على الجهاد، ويتمنونه بألسنتهم، ويقولون: * (لولا نزلت سورة) * في معنى الجهاد. * (فإذا أنزلت) *، وأمروا فيها بما تمنوا وحرصوا عليه، كاعوا وشق عليهم وسقطوا في أيديهم، كقوله: * (فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس) *. انتهى؛ وفيه تخويف لما يدل عليه لفظ القرآن و * (لولا) *: بمعنى هلا؛ وعن أبي مالك: لا زائدة، والتقدير: لو نزلت، وهذا ليس بشيء. وقرئ: فإذا نزلت. وقرأ زيد بن علي: سورة محكمة، بنصبهما، ومرفوع نزلت بضم، وسورة نصب على الحال. وقرأ هو وابن عمر: * (وذكر) * مبنيا للفاعل، أي الله. * (فيها القتال) * ونصب. الجمهور: برفع سورة محكمة على أنه مفعول لم يسم فاعله، وبناء وذكر للمفعول، والقتال رفع به
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»