تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٧٥
* وأعددت للحرب أوزارها * رماحا طوالا وخيلا ذكورا * أنشده ابن عطية لعمرو هذا، وأنشده الزمخشري للأعشى. وقيل: الأوزار هنا: الآثام، لأن الحرب لا بد أن يكون فيها آثام في أحد الجانبين، وهذه الغاية. قال مجاهد: حتى ينزل عيسى بن مريم. وقال قتادة: حتى يسلم الجميع: وقيل: حتى تقتلوهم. وقال ابن عطية: وظاهر اللفظ أنها استعارة يراد بها التزام الأمر أبدا، وذلك أن الحرب بين المؤمنين والكافرين لا يضيع أوزارها، فجاء هذه، كما تقول: أنا أفعل كذا وكذا إلى يوم القيامة، فإنما تريد أنك تفعله دائما. وقال الزمخشري: وسميت، يعني آلات الحرب من السلاح والكراع، أوزارها، لأنه لما لم يكن لها بد من جرها، فكأنها تحملها وتستقل بها؛ فإذا انقضت، فكأنها وضعتها. وقيل: أوزارها: آثامها، يعني حتى يترك أهل الحرب، وهم المشركون، شركهم ومعاصيهم، بأن يسلموا. والظاهر أن ضرب الرقاب، وهو القتل مغيا بشد الوثاق وقت حصول الإثخان، وأن قوله: * (فإما منا بعد) *، أي بعد الشذ، * (وإما فداء) *، حالتان للمأسور، إما أن يمن عليه بالإطلاق، كما من رسول الله صلى الله عليه وسلم) بإطلاق ثمامة بن أثال الحنفي، وإما أن يفدى، كما روي عنه عليه السلام أنه فودي منه رجلان من الكفار برجل مسلم.
وهذه الآية معارض ظاهرها لقوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) *. فذهب ابن عباس، وقتادة، وابن جريج، والسدي، والضحاك، ومجاهد، إلى أنها منسوخة بقوله: * (فاقتلوا المشركين) * الآية، وأن الأسر والمن والفداء مرتفع، فإن وقع أسير قتل ولا بد إلا أن يسلم. وروي نحوه عن أبي بكر الصديق، وذهب ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، والحسن، إلى أن هذه مخصصة لعموم تلك، والمن والفداء ثابت. وقال الحسن: لا يقتل الأسير إلا في الحرب، يهيب بذلك على العدو. وذهب أكثر العلماء إلى أن أهل الكتاب فيهم المن والفداء وعباد الأوثان، ليس فيهم إلا القتل، فخصصوا من المشركين أهل الكتاب، وخصص من الكفار عبدة الأوثان. وأما مذهب الأئمة اليوم: فمذهب أبي حنيفة أن الإمام يخير في القتل والاسترقاق؛ ومذهب الشافعي أنه مخير في القتل والاسترقاق والفداء والمن؛ ومذهب مالك أنه مخير في واحد من هذه الأربعة، وفي ضرب الجزية. والظاهر أن قوله: * (وإما فداء) *، يجوز فداؤه بالمال وبمن أسر من المسلمين. وقال الحسن: لا يفدى بالمال. وقرأ السلمي: فشدوا، بكسر الشين، والجمهور: بالضم. والوثاق: بفتح الواو، وفيه لغة الوثاق، وهو اسم لما يوثق به، وانتصب منا وفداء بإضمار فعل يقدر من لفظهما، أي فإما تمنون منا، وإما تفدون فداء، وهو فعل يجب إضماره، لأن المصدر جاء تفصيل عاقبة، فعامله مما يجب إضماره، ونحوه قول الشاعر:
* لأجهدن فإما درء واقعة * تخشى وإما بلوغ السؤل والأمل * أي: فإما أدرأ درأ واقعة، وإما أبلغ بلوغ السؤل. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكونا مفعولين، أي أدوهم منا واقبلوا، وليس إعراب نحوي. وقرأ ابن كثير في رواية شبل: وإما فدى بالقصر. قال أبو حاتم: لا يجوز قصره لأنه مصدر فاديته، وهذا ليس بشيء، فقد حكى الفراء فيه أربع لغات: فداء لك بالمد والإغراء، وفدى لك بالكسر بياء
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»